هل الخيار الروسي-الإيراني يعد مدخلا لاستعادة توازن المنطقة؟
د. حسين البناء
24-11-2017 12:35 AM
كإنسان عربي، أرى أن الألم يعتصر غالب أبناء الأمة، ونحن نرى ما وصلت له التطورات مؤخرا من ترد و انهيار، فلقد أوشك تنظيم مشبوه فوضوي من فكر ما قبل التاريخ (وأقصد د.ا.ع.ش) على بسط نفوذه على أحد أكبر معاقل العمل القومي العربي (العراق و سوريا)، وتمدد ليطال اليمن و ليبيا و بؤر أخرى على مساحة الشرق كله، وكادت الأمور تتطور لصورة أقرب إلى بلقنة الشرق العربي بشكل دراماتيكي، يشبه وإلى حد بعيد خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به اليمينيون في الولايات المتحدة، ولعله كان في حكم الوارد والممكن في عام 2017 وما قبل، أن يتم تقسيم العراق لدويلات ثلاث (سنية، وكردية، وشيعية)، وكما كان ممكنا كذلك تقسيم سوريا لبضع تكوينات (دويلة للنظام ومؤيديه والعلويين، و دويلة للسنة والثوار، ودويلة للباقين من الكرد والدروز و ربما لشتات التطرف والإرهاب).
التدخل الروسي و الإيراني المباشر والقوي لدعم حكومتي دمشق و بغداد هو فقط ما منع تفكيك الدولتين و زجهمها في تيه فوضى قد لا تنتهي إلا باتفاق كربوني من (اتفاق الطائف الطائفي) والذي من شأنه خلق دول هزيلة و ممزقة لا تقوى على توفير الحد الأدنى من الاتحاد و السيادة والكرامة الوطنية، ولعل هذا هو منتهى غايات الصهاينة وأعوانهم الذين تآمروا طويلا على هذه الأمة.
إن أي خراب يلحق بثالوث الفعل العربي (سوريا-العراق-مصر) هو بمثابة إعلان نهاية الأمة و الانتصار الكامل لمشاريع صهينة المنطقة و أمركتها، وليس هنالك رابح سوى (إسرائيل) التي ستضمن وقتئذ بقاءها لقرن قادم على أقل تقدير.
قد نختلف في كثير من الشؤون مع روسيا وإيران، وقد يتفهم المرء دوافع الروس وآية الله "البراغماتي" في دعم وحدة و بقاء النظامين في دمشق وبغداد، وقد يرى آخرون أن روسيا و إيران يهددان المستقبل والأمن القومي العربي أكثر من إسرائيل و أميركا ذاتهما، ومن الطبيعي الاتفاق والاختلاف على وجهات النظر، لكن ثمة ما يقارب الحقيقة بأن النوايا والأهداف الطيبة والتحررية والإصلاحية التي قام عليها الربيع العربي في عام 2011 قد تم خطفها و إعادة توجيهها لتشكل نواة للفوضى و الإرهاب وبلقنة المنطقة العربية، وأنه بات بما يقارب الحقيقة بأنه لولا التحرك الروسي و الإيراني لاختفت خريطتي العراق وسوريا، ليحل مكانهما دويلات طوائف و ميليشيات وأعراق لا تحمل أي خير للأمة ومستقبلها.
لقد بات من الجلي بأن تحالفا دوليا قد تشكل ليضم الولايات المتحدة وإسرائيل و بعض الدول العربية، يهدف لمواجهة المشروع الإيراني الذي يراه البعض (هلالا شيعيا) ويراه آخرون (محورا للممانعة)، وبغض النظر عن زاوية الرؤية، فإن القضية تتمثل بأن هنالك ثمة حلف تقليدي، هو حريص على إفشال أي مشروع في المنطقة من شأنه التشويش على مشروع الصهينة والتبعية، بغض النظر عن أصحاب ذاك المشروع، أكانوا أتراكا سنة علمانيون إخوانيون، أم إيرانيون شيعة فرسا محافظين، أم عربا يمينيين أو يساريين أو غير ذلك، فالقصة أن الشرق الأوسط لا يتسع سوى لمشروع صهيوني وحيد، وكل ما هو غير ذلك يدخل في مفهوم التهديد الوجودي له.
كإنسان عربي، قد لا أرى بأن النظام الإيراني يمثلني في كثير من تفاصيله، وكذلك روسيا الباحثة عن نفوذ عالمي؛ لكن أبجديات براغماتية السياسة تحثني على تتبع خطى المصلحة، تلك المصلحة التي تقول بأن صهيونية إسرائيل و إمبريالية الغرب هما التهديد الحقيقي لوجود الأمة ووحدتها و نهضتها وحريتها.