نشوة السلاح .. !؟ .. محمد رفيع
محمد رفيع
14-02-2009 03:39 PM
مجتمعات ودول كثيرة لا تزال تعاني من مشكلة انتشار السلاح الفردي، في بعض أوساطها. وغالباً ما يعود ذلك إمّا إلى أسباب ثقافية، أو أزمات ونزاعات سابقة أو مكتومة، أو إلى مراحل مبكرة قضتها تلك المجتمعات، في الكفاح من أجل تحقيق استقلالها وتحررها. وربما كانت الأسباب الثقافية، ومرحلة الكفاح التحرري، بتداخلها، هي الأعمُّ، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، التي ما يزال فيها ''السلاح زينة الرجال''، يمثل ثقافة فردية وشعبية أيضاً. الأمر الذي يجعل استحضار ''زينة الرجال''، في متناول اليد عند كل طارئ، أو أزمة، أو خلاف، سواء كان عابراً أم مقيماً. هذا فضلاً عن إعاقته، لنموذج ومؤسسات الدولة المعاصرة، بصرف النظر عن نجاحها أو فشلها، في تنظيم حياة مدنية حديثة للمجتمع الذي تمثله.
ولا تتوقف مشكلة السلاح الفردي عند المجتمعات والدول الأقل تطوراً، بل تتعداها إلى المجتمعات والدول المتقدمة والأكثر تطوراً، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. فتنظيم امتلاك السلاح الفردي، هناك، وفق قوانين محددة، أوصل أصحابه إلى مرحلة من تكشّف الثقافة المحلية للأفراد والمجتمعات، أمام اختبارات بالغة القسوة والصعوبة. وما شهدته المدارس الأميركية، وبعض التجمعات الشعبية والتجارية، خلال العقود الماضية، خير دليل على تلازم مشكلة السلاح الفردي وقوانين تنظيمه بالثقافة التي ينتجها المجتمع، أيُّ مجتمع، حول القوة وامتلاكها الفردي. ولا تزال معظم الأفلام السينمائية، والأعمال الدرامية، التي تنتجها كل المجتمعات، وعلى رأسها الأعمال الأميركية، المنتجة في هووليود، تمجّد القوة الفردية، وتستند إلى امتلاك الأبطال للسلاح الفردي.
متعبٌ، وربما مملٌ أيضاً، أن أكون مضطراً إلى قول كل ما سبق، كي لا أقع في محذور الكلام اليومي. غير أنه ضروري، وربما لازم كذلك، فتشابه الكلام، ومقولات ''الحق والباطل''، صارت تعبر الأسماع والأبصار، بشكل يومي، كأنها قطار سريع، وبلا محطات للوقوف أو التأمل.
ما أردت قوله، بشكل مباشر وبلا مواربة، إن السلاح الفردي يمنح المرء ''نشوة'' الشعور بامتلاك قوة مطلقة. وهي، في الجوهر، نشوة عابرة، وغير حقيقية، وتطبيقاتها في الحياة الاجتماعية، بلا قوانين أو تنظيم، ومهما كانت المرحلة التي يمرّ بها المجتمع، عادة ما تكون كارثية.
فلا ديمقراطية في ''غابة بنادق''، كما قيل يوماً، ذات ''نشوة تحرير''، بل ''قطيع ذئاب'' يُساق إلى حيث يريد ''الانتهاز''. وبشاعة مهمة ''التآمر مع العدو''، أو ''الخيانة''، لا تشرّع لأحد قتل الأفراد، بلا محاكمات مدنية أو عسكرية، ومهما بلغت فداحة الجرائم، خصوصاً إذا كان هذا ''الأحد'' يمتلك سلطة مدنية أو عسكرية. وقد عانى الشعب الفلسطيني، عبر تاريخه الطويل، وفي مختلف مراحل كفاحه، من سوء الارتجال في محاولات تحصين جبهته الداخلية، فتداخل شهداءٌ وقتلى، بتداخل استخدام وسائل الوصول إلى الغاية أو العقوبة.
قليلة هي حركات التحرر الوطني، في العالم، التي نجحت في تجنيب مجتمعاتها، ونسيج قواها، محنة الوقوع في ''الوهم''، الذي يصنعه امتلاك السلاح الفردي، وما يرافقه من ''نشوة''. وكثيرة هي القصص المحلية والعالمية، التي يمكن ايرادها في هذا السياق، فكانت بداية لتآكل بعض حركات التحرر من الداخل، وباباً أكبر لتفسّخ النسيج الاجتماعي، الذي يحتضنها. فنشوة السلاح الفردي، لا يمكن رفعها لتكون سياسة، عامة أو يومية، فقد استهلكتها تجارب بلادنا التحررية وثقافتها، حتى آخرها.
''فعبادة البندقية وعبادة الفرد''، تمنحان إحساساً سطحياً وفورياً بالرضا، ولكنهما تُستغلان بسهولة، من قبل كل من يريد أن يكون انتهازياً. هذا ما قاله ''حنا ميخائيل - أبو عمر''، لإدوارد سعيد، بعد أن ترك جامعة هارفارد، بروفسوراً ومفكراً عربياً مرموقاً، ليلتحق بحركة المقاومة الفلسطينية، في أواخر الستينيات، ودفع حياته مبكراً في طريق مكافحة ذلك الوهم..!؟.
من عادةٍ، أن يلي الطوفان هواءٌ حار، ورياح تسم العقول والبصائر بالعمى، أو بومضات وضوح عابرة. ومن عادة أيضاً، أن المقاتلين الحقيقيين لا يراهم الناس، بل يلوحون في الأطياف، كأنهم أشباح. فالمكافحون من أجل شعوبهم لا يموتون ''حين يريدون''، بل عندما ''يستطيعون'' إليه سبيلاً، حتى لو امتلأ الهواء، الذي غسله المطر، بعد الطوفان بـ''نملٍ طيّار''..!؟.
FAFIEH@JPF.COM.JO