سأدعوكم ، حتى تحسدوني ، فقد جلست الى ثمانية وزراء ، في الحكومة الحالية ، خلال الاسبوع الماضي ، في مواعيد متفرقة ، وكنت اقرأ الوجوه ، ولغة الجسد ، والايماءات ، واللباس في حالات اخرى ، ولم اكن استمع الى كثير من كلامهم ، لانني سمعته ، طول عمري ، من كل الوزراء السابقين.
المثير ، في حالة الوزراء انها تدعو الى الرثاء حقا ، فأغلبهم لم يعد يهتم بهندامه ، وبعضهم يدخن بشراهة ، والاخر ترتجف يده ، عند الحديث ، وثالث يتلعثم ، ورابع يسألك عن "اخبار البلد" وعلى اي قائمة مطروح اسمه ، قائمة المبشرين بالجنة ، ام الخارجين في التعديل ، ام قائمة الراحلين ، وخامس تستبد بمزاجه العصبية ، وسادس اوقف اعمال الوزارة بانتظار ماستسفر عنه الايام المقبلة من تعديل او تغيير ، وسابع محبط لان المراحل اهلكت اعصابه ، ولا يشعر باستقرار ، وثامنهم يتمنى من الله ان يموت في مقعده ، وان لا يخرج من الوزارة ، حتى الممات.
لمعة الوزراء ايضا ، قلت الى حد كبير ، فلا تجد هذه الوجوه الفرحة المستبشرة ، ولا تجد القميص المكوي ، واختيار ربطة العنق ، تم بسرعة ، وليس ادل على ذلك من ان لون الربطة ، في واد ، ولون البدلة في واد ، ولون الوزير في واد اخر ، واخرون تكاسلوا في منتصف الاسبوع ، ولم يحلقوا ذقونهم ، واخرون يحتاطون بجمع اوراقهم الشخصية ، من مكاتبهم ، خشية الساعة المقبلة ، والهمة والمعنوية العالية ، لا تجدها اليوم ، في اغلب الوزراء ، لانهم منذ سبعة شهور يسمعون عن تعديل لا يتم ، ويسمعون عن رحيل محتمل ، ويسمعون ، كل الاشاعات التي نسمعها ، حتى تحولوا الى وزراء تصريف اعمال ، جراء حالة "شلل الاطفال" التي انتابت بعضهم ، وبرغم ان رئيس الوزراء.. "وهو اكثرهم راحة وهدوءا" ..قال لهم مرارا في مجلس الوزراء ، وفي حواراته الفردية ، ان عليهم ان يشتغلوا ، كأن الحكومة باقية ابدا ، وان لا يعطلوا اعمال وزاراتهم ، الا ان الحاصل معاكس تماما ، فهم بشر يتأثرون معنويا ، وليس ادل على ذلك انني رأيت وزيرا اشتهر بأناقته ، يلبس بنطالا ، يسحل عن خصره كل دقيقة ، لوحده ، فيضطر لرفعه ، امام الموجودين في مكتبه ، وهي حالة تشخص الاضطراب النفسي ، الحاصل هذه الفترة.
لا يمكن لاي حكومة ان تعمل تحت وطأة الاشاعات والمخاوف ، ولا يمكن لاي وزير ان يضع خطة وهو يعرف انه سيتم نسفه من موقعه وهو في مبتدأ الطريق ، ولا يمكن لموقع وزير ان يبقى هكذا ، فيضطر الوزراء الى الاستماع الى الوسطاء وارباع الوسطاء ، وناقلي الكلام والاشاعات ، وكل هدهد صغير ، وهدهد كبير ، لجمع المعلومات والاخبار ، عن وضع البلد ، لان الوزير خائف على مستقبله ، وحين ارى ثمانية وزراء في اسبوع واحد ، اكتشف امرا مشتركا ، بين اغلبهم ، الا وهو الاضطراب الشديد ، وانعدام الهندام ، وانطفاء الوجوه ، والخوف ، والقلق ، والرجفة ، والبحث عن ربع معلومة ، عما سيحدث في عمان ، كذات الذي يبحث عن ابرة في كومة قش ، وسط وجود معلومات لدى نفر قليل ، لن يفرطوا بها ، في هذا التوقيت ، حماية لعلاقاتهم ومصادرهم ، ولتوقيت الكشف والحجب على حد سواء.
ما يمكن قوله ، هو امر واحد فقط ، هناك خلية عمل ، بعيدة عن اعين الفضوليين ، تقرأ المشهد والملفات والتفاصيل والاوراق ، وتدرس خيارات كثيرة ، وتراجع وتفكر ، وتقلب الخيارات والاسماء ، والصمت المشوب بالحذر الشديد في عمان ، يخفي خلفه ، كل الخيارات ، وهو صمت لا يعني تجاهل المشهد الداخلي ، بل هو الصمت ، الذي يخفي خلفه دراسات مستفيضة لقضايا عديدة ، ستتضح نتائجها خلال الايام المقبلة ، فالقصة لا تتعلق فقط بوجود الحكومة ، وانما بجملة اشياء اخرى ، منها الاستخلاصات التي يمكن التوقف عندها ، بشأن اجتماعات هنا وهناك ، واعلانات هنا وهناك ، و"نطنطة" هنا وهناك ، وتحركات على مستويات سياسية وحزبية وبرلمانية ، والواضح والمؤكد لي ، ان خلية العمل هذه لا تنظر الى الموقف ، من باب هل سنواجه تعديلا او تغييرا او اعادة تشكيل ، بقدر دراستها لمجمل المشهد المحلي ، وكل تفاصيله المتعلقة بالاسابيع الثمانية الاخيرة ، وما يتعلق بالفترة المقبلة ، ايضا ، على ضوء حسابات داخلية واقليمية ودولية.
على الوزراء ، ان يسترخوا قليلا ، فهذا حال الدنيا ، واعجبني وزير بارز زرته قبل اسبوعين ، ولم يكن ضمن حزمة المرتجفين ، وضع لوحة على مكتبه تقول.."لو دامت لغيرك لما وصلت اليك"..وهو يريح نفسه ويريح غيره ، بمعرفته المسبقة بحقيقة الموقع الوزاري ، ومدة البقاء فيه ، ولعل الاهم ، ان اكشف لكم ، ان صاحب القرار ، لا يفكر في الموضوع ، كما اسلفت ، من زاوية التعديل او التغيير ، وانما من زاوية المشهد المحلي بكل تفاصيله ، العلنية والسرية ، واي قرار بخصوص الحكومة ، سيكون نتيجة واستخلاصا ، ضمن حزمة نتائج واستخلاصات ، تتعلق بالاردن ، خلال العامين المقبلين.
ما بين البنطال الذي يسحل وحده ، ورجفة اليد ، عند الحديث ، تكتشف ان بعضنا ، لم يفهم بعد ان وظيفة في القطاع الخاص ، تسرح وتمرح بها ، احسن مليون مرة ، من موقع يطرقك على رأسك بسببه ، كل البلد ، من الصحافة الى النواب ، الى المواطنين ، مرورا بالحالة التي وصلناها ، من حيث اعتبار موقع الوزير سببا في الشك والاتهام ، بكل ما هو عدل وظلم على حد سواء.
المبشرون بالجنة ، حقا ، هم من يعيشون على راحتهم ، وليس تحت رحمة احد.
m.tair@addustour.com.jo