ما يحدث الان في العالم العربي من تسارع مضطرب للاحداث السياسية خلال اسبوع فقط، كان يتطلب حدوثه اعواما ، ليس فقط بسبب تكنولوجيا التواصل وما طرأ على الاعلام من تكاثر اميبي في الفضاء، بل لأن ما كان اشبه بالثوابت فرض على كل الاطراف شيئين في وقت واحد، اولهما قليل من الخجل وثانيهما كثير من الذكاء والحصافة، ولم تكن منظومات القيم والمفاهيم قد جرى تفكيكها على هذا النحو، ولم يكن الهواة يجرؤون على طرح انفسهم خبراء استراتيجيين او محللين سياسيين !
وباستثناء فترة تبادل فيها المختلفون في المواقف والانتماءات الهجاء السياسي كان هناك ما يشبه مواثيق الشرف اعلاميا وسياسيا، ولم يكن التخوين والتكفير بمثل هذه السهولة والنزق والرعونة، بحيث لا يعلم من يعبرون عن الغرائز اكثر من الافكار انهم يمارسون اعداما رمزيا واغتيالا معنويا بلا اية قرائن يمكن الاحتكام اليها، ولأن القنوات الفضائية اصبحت تنافس عدد النجوم وتتسع لكل ما هب ودب او لم يدب فان الكوابح سواء كانت فكرة او حتى اجتماعية تراجعت واصبح كل شيء متاحا ومباحا، والمحظوظ هو من يصحو صباحا ولا يجد ذبابة تغطي اول حرف من اسمه او بقعة دم على قميصه!
لقد تضاعف عدد المجانين وبالتالي تضاعف عدد العصي والسكاكين في ايديهم، وضاعت الشعرة الدقيقة الفارقة بين الحرية والفوضى وبين النميمة والنقد، وكان هذا الواقع العربي الذي يعج بالالغام والقنابل الموقوتة والكمائن الاعلامية ينقصه من يزيدون الطينة بلة ومن يحرضون الشقيق على الشقيق وابن العم على ابن الخال !
ويغيب عنا جميعا في هذا السيرك المفتوح بالمجان على مدار الساعة ان هناك جيلا يرضع هذا الحليب الفاسد وان المستقبل سيكون ضحية هذا الراهن القاتم تماما كما هو الحاضر الذي نأكل بعضنا فيه هو ضحية الماضي !
ولم يبق امامنا بفضل فائض الكيدية والانتقام الا ان نتهم بعضنا بأننا سبب البراكين والزلازل والاعاصير والجفاف في هذا البلد او ذاك !!
الدستور