عمون - خاص - من وحي لقاء على عشاء جمع فيه مدير الأمن العام اللواء مازن القاضي كتاب وصحافيين مع نخبة من قادة الأمن العام , يأتي هذا العنوان .
لم ينل " الشعار " حظه من التركيز , لأن ثمة من لا يزال يرى في هذا الانتشار الأمني المكثف , جدوى , وهناك من يرى فيه عبئا , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى فقد طغت في الأجواء عناوين ساخنة عن الدرك والعشائرية .. تشابكها ولا نقول اشتباكها بدور الأمن سواء كان ذلك سلبا أو إيجابا وعن سيادة القانون أو سيادة " الأعراف " وعن المناطق غير العصية على الأمن في باب المخدرات هل تزرع ومن يزرعها , هل غدت صناعة أم أنها فردية وضيقة , وعن السيارات .. من يسرقها ومن يشتريها . .
في خضم ذلك كله .. قدم اللواء القاضي تحليلا وان كان على عجل , إلا أنه سبر غور ذلك كله , وللحقيقة إن للباشا رؤية أمكن التعرف عليها عن قرب , على الأقل بالنسبة لي , هي بلا شك جديرة بالاهتمام , كما أنها جديرة بالدعم , وان كانت في ثناياها تعكس انفتاحا نحو رغبة في عصرنة يسود فيها القانون بعد أن يتخلص من عبء تشابكات مرهقة في تفاصيلها وان كانت مريحة في مظهرها وأقصد هنا .. " الأعراف والتقاليد " إذ تغيب القانون أحيانا وتكسره أحيانا أخرى , لكن فض تشابكها في ظني كما هو في ظن الباشا طريقا لم تزال طويلة .
وفي القضية الأبرز" دور العشائرية " وهي تلك التي نالت جدلا برره " الباشا " دفعا لسوء فهم تارة وتارة أخرى شرحا لمقاصده , قدم القاضي تعريفات هي جدلية بلا شك , لكنها في يقيني على الأقل تنم عن فهم ورؤية تقدم خطوة نحو مجتمع مدني يسود في القانون , لكنها باليد الأخرى ترجع خطوات , تكبل الأقدام فيها استسلام لواقع يحتاج إلى أجيال ليس لتغييره بقدر تطويعه , على حد تعبير الباشا , حينما قال , " مع القبيلة , وليس مع القبلية , مع العشيرة وليس مع العشائرية , مع العصبة وليس مع العصبية " .. وقد أكد قبل ذلك أن الأمن ينفذ مهماته على نحو سهل ومتفهم في المدن وفي عمان تحديدا , لكن ذات المهمات تجد عراقيل في مواقع أخرى في المحافظات وردها إلى طغيان دور العشيرة في الثانية , وطبيعة المدن في الأولى , وقد كان يرد على سؤال حول المناطق العصية , ما أثار جدلا , حول دور العشيرة في التصدي للقضايا وحلها ودورها في زيادة اللحمة وتمتين الأواصر , وقد ظن البعض أن الباشا , إنما قصد نقد ذلك كله , وهو على ما قال لم يقصد ما ذهب إليه سوء الفهم بقدر ما أراد تشخيص حالة لواقع يصادفه رجل الأمن في مهماته , ليسجل في نهاية "الجدل" تأكيده لاحترام دور العشيرة في النسيج الاجتماعي والوطني وتبجيله لمهمات روادها في فض النزاعات وحل المشاكل , لكنه لم يغيب وجهها السلبي إذ تشب النزاعات التي تحتاج كما قال في كثير من الأحيان إلى قوة فصل أمنية كبيرة , بينما لا يحدث ذلك في المدن التي بات سكانها يراجعون المراكز الأمنية والتنفيذ القضائي بمجرد تلقيهم رسالة على الهاتف الخلوي .. ثمة فرق أليس كذلك ؟
الباشا أكد بشدة أن مقولة المناطق العصية على الأمن ليست دقيقة , وان سجلات الأمن فيها أسماء عديدة لخارجين على القانون لاذو بالعشيرة وقد جرى إيداعهم للقضاء غير مرة لكن مسؤولية خروجهم لاحقا ليست بيديه , وتجنب الباشا ", الخوض في تفاصيل قضايا سرقة السيارات " , لكنه اكتفى بالقول أن سارقيها ليس هم مشتريها , وان كانت قد ضبطت بحوزة أبناء عشائر كبيرة فذلك لا يعني أنهم من سرقها لكنه وضعهم في صف المسؤولية الجنائية مع صاحب فعل السرقة .
بلا أدنى شك أن اللقاء مع الباشا وقادة جهاز الأمن كان دافئا , وقد أراد أن تصل للناس رسالة , هي أن رجل الأمن مع الناس ولهم , من المجتمع وله , وأن الأمن الناعم نظرية أتت أكلها , بفضل هذا التلاصق والتعاون بدليل تراجع الجريمة وسرعة اكتشافها , فوعي المواطن أولا واحترامه لدور رجل الأمن لا مناص عنه كما أن احترام الأخير لحقوق المواطن قضية بديهية .
إلا أن اللافت في القضية هو إقرار الباشا أن كبر جهاز الأمن وتعدد مشاربه وبيئات رجاله وتدخله لحمل بعض هموم المجتمع في البطالة , ومسؤولية مؤسسات لم تقم بدورها هو عبء , وهو في ذات الوقت لا يجعل من الجهاز عصيا على الأخطاء , ولذلك كان صندوق الشكاوى ولذلك كانت محكمة الشرطة ولذلك كانت لجان المتابعة , فلا شكوى بحق رجل أمن تهمل , كما أن العقاب يأتي شديدا إن تمت الإدانة .
جملة من الإنجازات عرضت , على طريق جعل جهاز الأمن العام مؤسسة حديثة أداء ومواصفات , وكما قال " الباشا " جهاز تقف خلفه رؤية تستشرف المستقبل وتنقل المعرفة لتسود " روح المجتمع المدني المعاصر " هي رؤية صاحب الفعل وصاحب المبادرة الملك عبد الله الثاني .