رغم انشغال الدولة والناس في الملف الاقتصادي وتداعياته على حياة الناس وهو انشغال حقيقي ومشروع، إلا أن في عقول الأردنيين وقلوبهم أمورا تقفز الى واجهة الاهتمامات عندما تظهر على السطح أولها امن الدولة وأي قلق قد يضرب معادلة استقرار الدولة وحق الناس في حياة طبيعية، وأيضا اي تهديد للهوية الوطنية الاردنية وهوية الدولة الاردنية.
والقلق الذي يصيب الأردنيين على هويتهم مصدره الأول الاحتلال الصهيوني الذي يعمل منذ ان قام كيانه على ان يكون الحل على حساب العرب والفلسطينيين، ونحن في الأردن أول من يسعى هذا الكيان ليكون الحل على حسابنا عبر التهجير والتوطين والوطن البديل أو النظام البديل أو مشاريع الكونفدرالية أو الفدرالية بين الدولة الاردنية والشعب الفلسطيني قبل ان يحصل على دولة حقيقية على أرضه.
ومنذ أن كانت أفكار التسوية كان كيان الاحتلال يتحدث عن حلول يحصل فيها الفلسطيني على حقوقه السياسية والوطنية خارج فلسطين، اما فلسطين فتتحول الى ذكريات واغاني وشعارات لكن الفلسطيني يكون ابن جنسية ووطن آخر.
اليوم تعود الحكايات والأخبار المسربة الى الواجهة عبر حديث عن أفكار لحل قد تتبناه أمريكا وتحاول تسويقه عند بعض العرب، وجوهر الأمر ان لا تكون هناك دولة فلسطينية حقيقية، وأن يغيب حق العودة الذي يجعل من الفلسطيني فلسطينيا له حق في أرضه، وهي أفكار تصب في نهايتها في خدمة الفكرة الصهيونية بان المطلوب حل المشكلة الإسرائيلية وليس حل القضية الفلسطينية؛ وفي النهاية يدفع الثمن الشعب الفلسطيني وأيضا تدفعه الدول التي حملت أعباء الاحتلال وعلى رأسها الأردن.
ان لا يكون هناك دولة فلسطينية فهذا ضرر مباشر بالأمن الوطني الأردني الذي يرى في اقامة الدولة الفلسطينية مصلحة عليا الأردن. وان لا يكون هناك حق العودة فهذا يعني ثمنا باهظا يدفعه الأردنيون من هويتهم الوطنية وهوية دولتهم، مثلما سيدفع الفلسطيني الثمن من هويته وحقوقه.
مثل هذه الأمور تبعث على القلق، خاصة اذا وجدت من له مصلحة في تسويقها عربيا فلسطينيا، لكن على الجانب الآخر فليس كل ما تفكر به أطراف دولية أو إقليمية قدر قادم من السماء لا راد لقضائه، ولهذا قلقنا قلق الحذر الذي يحفزنا كدولة واردنيين لمواجهة حتى الفكرة بغض النظر عن قوة الدفع السياسي لها .
تقلقنا نحن الأردنيين مثل هذه الأفكار أو الأقاويل، لكن من يدرك تركيبة الأردنيين يعلم جيدا أن هذا الأمر من أمور قليلة يرى فيها الأردني تهديدا مباشرا لوجوده، فالأمر ليس قضية سياسية للنقاش بل مصدر تهديد بمضمون الهوية الوطنية والدولة.