كلام في البرلمان لمن يرغب أن يقرأ
شحاده أبو بقر
12-02-2009 10:32 AM
فرق جوهري بين أن تنقد النواب وان تنقد مجلس النواب ، ففي الحالة الأولى يوجه النقد "والنقد إما أن يكون سلبيا أو ايجابيا" إلى شخص ، وفي الحالة الثانية يوجه النقد إلى شخصية اعتبارية هي المؤسسة ،، وفي السياق فرق جوهري كذلك بين النقد الذي يطال شخص البرلماني وذلك الذي يطال أداءه ، في الحالة الأولى يصبح النقد تدخلا غير مقبول في خصوصيات البرلماني ، وهو في الثانية تدخل مشروع ومقبول في أداء ذلك البرلماني ، على أن هناك من يرى - وتلك وجهة نظر - أن خصوصيات الشخصية العامة تقترب من كونها أمورا عامة تنعكس آثارها على الأداء العام لتلك الشخصية ، وبالتالي فان مجرد إشغال الموقع العام يعني أن"الخصوصيات"باتت أمورا شبه عامة ، إن لم تكن عامة بالمطلق ، ، ويسوق أصحاب هذا الرأي أمثلة عديدة يبدو بعضها مقنعا وبعضها الآخر غير ذلك،.
ما علينا ، فما يهمني في هذا المقام هو التأكيد على حتمية احترام المؤسسة البرلمانية وعدم الاقتراب من حرماتها بسوء ، فكما أن هناك فرقا بين الطب كمهنة إنسانية سامية وعظيمة لا مجال لانتقادها ، وبين الأطباء الذين هم بشر يتفاوتون في القدرات والصفات وحتى في مستوى السلوك ويمكن نقدهم وانتقادهم ، فان هناك فرقا بين البرلمان كمؤسسة عظيمة وكحالة وطنية راقية وإنسانية سامية لا مجال لانتقادها ، وبين البرلمانيين كبشر يصيبون ويخطئون ويمكن نقدهم وانتقادهم ،.
اعرف كغيري أن البرلمان الأردني الحالي هو حالة تراكمية عمرها من عمر الدولة الأردنية ، وان كل حرف وكل كلمة وكل سطر وكل جملة في قرار وطني تشريعيا كان أم إداريا أم سياسيا أم غير ذلك في تاريخ هذه الدولة ، طابعه برلماني بامتياز ، مهما اختلفت التسميات على صعيد تدرج صيغ المجالس الأردنية منذ عهد الملك المؤسس رحمه الله والى يومنا هذا ، وعندما نتحدث بلفظ "مجلس الأمة الأردني" فنحن نتحدث عن برلمان قوامه رجال أردنيون أحرار بنوا الدولة بقيادة ملوك هاشميين أحرار ، في زمن اعتقد أن من الصعب علينا نحن الجيل عيشه بحلوه ومره وتحدياته ومؤامراته وصعوباته دون أن"ينكسر وسطنا،"، فلقد أعطى أولئك الرجال الطيبون لهذا الوطن"عصارة"حياتهم "و ذوب" قلوبهم وما منّوا ولا انتظروا المنّه من احد ، واخلصوا وتفانوا حد الجود بالنفس والغالي حرصا على الأردن وصونا لحاضره ولمستقبله الذي نعيشه اليوم ، وقدموا ما يعجز الوصف عن تقديره حق قدره ولم يطلبوا ثمنا أبدا ، وكانوا كبارا كشأنهم أبدا وليس على طريقة ذلك"المسؤول"الذي سمعته يؤنب شخصين مسؤولين أيضا لمجرد أنهما فاتحاه بما اعتقدا انه تصرف رسمي غير محايد ، فقد ادعى أخونا بأنه"يخدم الأردن منذ عشرات السنين وانه لا يجوز مخاطبته بذلك الأسلوب الذي خاطباه فيه".. فهو يرى ربما أن على الأردن أن ينحني له احتراما ، وشتان بين هذا وأولئك الرجال الذين أتحدث عنهم ولن اذكر أيا منهم لكثرتهم من جهة ، وكي لا أنسى أحدا منهم من جهة ثانية .
بدأ الأردن برلمانيا بمجلس المبعوثان حتى وهو تحت الحكم العثماني ، ثم تطورت الصيغة المحترمة إلى صيغة مجالس الملك المؤسس عندما كان مجلس الملك منتدى يلتقي فيه زعماء القبائل وشيوخ العشائر والعائلات ورجالات الدولة كل يوم جمعة ، يتحدثون في شؤون البلاد والعباد وفي السياسة والاقتصاد والاجتماعيات والأدب والشعر وكل شيء ... ثم ولدت الصيغة الرسمية بهيئة المجالس التشريعية وصولا إلى الصيغة الحالية"مجلس الامه" ، ولنا هنا أن نلاحظ حجم السمو في الحالة البرلمانية الأردنية التي تحمل اسم"الامه" ، تماما كما يحمل الجيش الأردني اسم"الجيش العربي"وذلك انسجاما مع الروح القومية الأصيلة الكامنة في التكوين الإنساني الأردني العربي الهاشمي الماجد ،.
الأصل كما نعرف أن البرلمان الأردني هيئة وطنية قومية إنسانية ذات حضور كبير في ذات كل أردني وكل أردنية ، وهو البرلمان الهاشمي الذي يجسد حقيقة"الشورى"وديمقراطية العصر في منظومة الأداء السياسي الجمعي للدولة الأردنية الهاشمية ، والبرلمان الأردني غاية في عراقة الرأي والرأي الآخر ولكن دونما صخب أو بيانات أو شعارات غير شعار الوطن والقوم والدين والإنسانية ، فليس هناك فواصل واستثناءات ومهمات شخصية على الإطلاق ، ومن يستظل قبة البرلمان الأردني التي أنجبت عبر التاريخ دولة محترمة وملوكا محترمين وبرلمانات محترمة ووزراء محترمين وعاملين محترمين ... لا بد وان يتغشاه"الوقار و السكينة و هيبة المكان" ، ولا بد أن يكون منصفا صادقا ولو مع نفسه ، فيحفظ هيبة ووقار وسكينة الحالة التي شهدت إعلان الدولة إمارة فمملكة مثلما شهدت انتقالا"ساميا"للملك من ملك إلى ملك ، إلى جانب اكبر واهم القرارات المصيرية في تاريخ الوطن.
كل برلمانات العالم الراقي تحتفظ لنفسها بطقوس برلمانية وتقاليد وطنية ترقى إلى حد القداسة في نفوس شعوبها كافة ، وكل وسائل الإعلام والصحافة في ذلك العالم الذي يحترم تراثه وتقاليده ويسعى بإخلاص من اجل ترسيخها وصونها ، تحرص على احترام المؤسسة البرلمانية ولا تسمح أبدا بتقزيمها أو الانتقاص من مكانتها ، باعتبار أن ذلك يدخل في باب الانتقاص من وجود الأوطان واستقلالها وسيادتها وحتى كرامتها،.
أردنيا.. نحيي قيادتنا الهاشمية راعية البرلمان ، ونسجل لها حرصها على ممارسة"الحياد"إزاء البرلمان ، فالملك وبرغم شراكته الكاملة في السلطة التشريعية بموجب الدستور ، يحرص وحتى اليوم على تكريس تقليد قديم تم التعارف عليه"دون مبرر برأيي" ، يحول دون تكرار زيارة الملك للبرلمان على نحو ما يفعل إزاء السلطة التنفيذية"الحكومة" فحتى عند افتتاح دورات البرلمان يحرص الملك على مغادرة المكان فور أن يفرغ من إلقاء خطبة العرش والسلام على أعضاء البرلمان ، كي لا يقال أن الملك يفرض حضوره السامي على أداء البرلمان ،.
وأردنيا.. أيضا نهيب بالجميع وبالذات كل صاحب منبر ، أن نعمل معا وبإخلاص على صون أصالة المؤسسة البرلمانية الأردنية بما تمثل عراقة الزمان وهيبة المكان وحرمة اللحظة ونبل الغاية وكرم الأداء ، وبالتالي رفعة المقام ، فنحن نتحدث عن وطن لا عن شركة أو ملكية خاصة وإنما عن وطن حقا ، وعن مصلحة آدمية نحتاجها جميعا اليوم ويحتاجها أبناؤنا في المستقبل والى يوم الدين.
والله من وراء القصد.
She_abubakar@yahoo.com