عمون - لمحمد محمود عبّار
(صوت رخيم يأتي من الخلفية)
الصوت: يا أيتها الأمهات اعملن صامتات بلا صراخ...
بثوا في الأبناء روح الحق الصراح..
وأعطين من المليون ألف صفل صحاحاً من صحاح..
من كل ألف يافعاً أغزو بهم في كل ساح..
ثم ارفعوا الرايات وانصبوا الأفراح...
***
الصوت (يعود من جديد) من ضمير الأمة.. وزوايا القمة، نزفت الجراح، فأي جرح سعى بين أفراح وأتراح؟!َ
الأول: (يظهر يمشي الهوينا) ليس مثلي في الألم أحد، عمري من عمر زيتون (حيفا ويافا) أنا جرح نزف آلاف المرات.
الثاني: (يتقدم نحوه) وكيف ذاك كان؟
الأول: أنا جرح لم يضمده قاص ولا دان.. أنا من فلسطين حبيبة الأوطان.
الثاني: ابن عمي .. مهلاً، جميعنا من هذه الأوطان.
الأول: من تكون يا أخي.. أأنت من أثخنته الجراح أو جئت مضمخاً بالدماء.
الثاني: (يتركه خلفه ويسير، تارة يتجه يمنة وتارة يسرة) أنا ينبض وطن العروبة بتاريخي ومجدي، بنخوة الأجداد أنا عرق من عراق لم تركع يوماً لمجوسي أو يهودي فتان، أنا من واحة الرافدين .. قد عدا علينا عدونا فأصابنا بسهام الذل والهوان.
الأول: وهل بعد هواننا من هوان.
الثاني: أجل.. قد طال الجرح أشقاءنا في بلاد الشام. (ويشير إلى الخلف).
الثالث: (يخرج بثياب ممزقة تعلوها آثار غبار ودماء وعلى وجهه رسم علم الحرية) أما سمعتم به؟ (يرفع يده متجهاً إلى الجمهور) إنه جرح الحضارات، مزقته يد الممانعين، على حد زعم أعوان نظام اشترى ضمائرهم بالفتات.
الأول: بلى سمعنا.. وأتخمونا شعارات.. خمسون عاماً تاجروا بفلسطين وما زلنا بالشتات.
الثالث: بل عقدوا مع يهود الصفقات.. على قتلكم إخوتي في طرابلس وتل الزعتر وسائر لبنان، حتى اقتحموا في الشام المخيمات.
الثاني: قد دنسوا طهرنا لأجل إسرائيل والأمريكان، وشربوا نخب هزيمتنا واحتفلوا بأسرنا وذبحنا والعرب كلهم نيام.
الثالث: صه.. اصمت جاري.. وانظر لحالي، فقد سبق جرحي كل الجراح، قد أصبح دمي ومالي وعرضي حلاً مستباحاً.. لكل مجوسي مجرم سفاح، أنا وليد جراحكم التي صبت في جسدي بمعول سارق هادم نذل أفَّاك.
الأول: أخي.. وما قصة كل ذلك القتل والإجرام الطفَّاح؟
الثالث: لأني طالبت بحقوقي.. بالحرية بالحياة.. وما سجدت لصنم الأشباح، أنا من جيشت الجيوش والشبيحة نحوي، فقئت عيني وبترت ذراعي لأني رفعت راية الكرامة والسلام.
الأول: ما أعمق جرحك وما أبلغ مصيبتك!
الثالث: مصيبتي أن قاتلي من بلدي وبسلاحي ينحر ولدي، مصاص دمائي وجلادي من بني جلدتي.
الثاني: أواه.. ها أخي سابقتنا في ألم الآلام.. فمهما نحبت لا تلام.. فما أخبار الأقلام؟
الثالث: درعا درعي.. وحماة حصني.. حمص ابن الوليد أنشودتي وحلب الشهباء أملي.
الأول: آه يا شام، يا موئل الآمال.
الثالث: دمشق الفيحاء أمي وريفها الغناء أبي، وإدلب الخضراء... منسوبة مع الأبناء الميادين والرستن وبانياس.. واللاذقية عنان السماء. تريد عزتها وكرامتها، فالموت أو الحياة عندها سواء.
الأول: إما حياة تسر الصديق أو ممات يغيظ العدا.
الثالث: أنا جرح قد رسم نصراً، وكتب بيارق النصر شعراً، أنا حصاد الآباد، أنا سورية الحرة.
الثاني: إنه لجرح لا ينطق إلا صدى فيه أنفاس الحرية.
الثالث: لئن قطعوني وأحرقوا أرضي ومزقوا نعشي، وإن عذبوني أو سجنوني، سأبقى سنا الأوطان، وسأبقى أسطورة الزمان.
الأول والثاني: حماك الله وحمى الأوطان.
الثالث: فأنا أموي.. سليل مجد تليد.. مسلم عربي عنيد، لا أشط.. لا أهون، وعن درب الحق لا أحيد.
(يسير نحو صاحبيه) إني قلبكم يا إخوة الجراح.
الاثنان معاً: إنك في الذؤابة منا يا قلبنا النابض.
الثالث: (يستدير ويسير الهوينا نحو المقدمة وفي يده راية الحق) فلا ترثوني وإن أصبحت شظايا وأشلاء.
الاثنان: (يتبعانه مذهولين) لا تقل هذا.. فأنت عيوننا.. دموعنا..
الثالث: لأني أشلائي ستمدكم بالثبات .. وشظايا رفاقي ستلد لكم أجيالاً بعد أجيال هي تباشير النصر والحرية، إنها وقوة الثورة تجري في دم الثوار.
(الأول والثاني يتقدمان، ويقف أحدهما على يمينه والآخر على يساره، وتتشابك الأيدي مرفوعة للأعلى ويهتفون معاً) النصر قادم..
النصر قادم.. النصر قادم بإذن الله