تحتفل مدينة العقبة الاسبوع المقبل وتحديدا يوم 16 من الشهر الجاري بعيدها التاسع لاطلاقها منطقة اقتصادية خاصة, ارادها جلالة الملك ان تكون عنوانا استثماريا مهما في منطقة الشرق الاوسط, موظفا بذلك مكانتها الجغرافية الحيوية ومؤهلاتها التي تمكنها من لعب هذا الدور.
الاحتفالات هذه المرة لن تكون كالعام الماضي عندما اقامت المفوضية هناك احتفالات كبيرة كلفت مئات آلاف الدنانير لمدة ثلاثة ايام استضافت اكثر من 150 صحافيا من مختلف دول العالم وشخصيات ومستثمرين احتفت بوجودهم في احتفالات غنائية بالمناسبة وعرضت لهم افلاما وثائقية عما تم انجازه او ما سيتم في المستقبل.
المشروع الذي أراده الملك ليكون علما اقتصاديا مهما على خارطة الاستثمارات العالمية تعرض لجملة تحديات ساهمت في تأخر الانجاز وظهور مناطق اخرى سبقناها بالفكرة وسبقتنا بالتنفيذ.
لعل اولى تلك التحديات هي الخطة الرئيسية التي أسست عليها منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة, والتي ارتكزت على توزيع الاستثمارات ما بين السياحة والصناعة والخدمات بنسب 40 و35 و25 بالمئة على التوالي, لنجد بعد سنوات ان السياحة التي كانت الاكثر استثمارا في المنطقة بفضل مؤسسة الضمان الاجتماعي التي استثمرت مبكرا في القطاع ونجحت في ذلك وفق جميع المعطيات ومن ثم لحقها بعض مستثمري القطاع الخاص الا ان النسبة ما زالت قليلة من حيث الانجاز ولا تتناسب مع الارادة السياسية الداعمة للمشروع.
اما بالنسبة للقطاعات الاخرى مثل الصناعة والخدمات فكانت الانتكاسة واضحة في مؤشراتها رغم الملايين التي انفقت لتطوير البنية التحتية هناك والقيام بحملات ترويجية دولية لاستقطاب مستثمرين في هذا الشأن, فالنتائج كانت مخيبة للآمال, فاليوم الاستثمارات الصناعية والخدمية محدودة للغاية ذات قيمة مضافة متدنية على الاقتصاد في المنطقة الخاصة, ولعل هذا يدلل على ان المخطط الذي اعتمدت عليه العقبة في جلب الاستثمارات كان مبالغا في بعض مؤشراته التنموية وموجها نحو قطاعات بعيدة عن الميزة التنافسية الحقيقية للعقبة, التي كان من المفترض ان يكون العامل السياحي هو المحرك الرئيسي للتنمية في المدينة والمستقطب للاستثمارات السياحية ليكون المنتج في النهاية مدينة سياحية متنوعة الخدمات تضاهي وتنافس المدن الاخرى في الجوار, والتجارب السابقة اثبتت صحة ذلك.
عادة ما يلجأ المسؤولون في العقبة للتباهي بالارقام الاستثمارية المسجلة في دوائرهم بالقول مثلا ان حجم الاستثمارات في العقبة تجاوزت الـ 16 مليار دولار, وهذا الرقم لو تحقق منه 30% لوجدت مدينة العقبة مختلفة تماما عما هي عليه الآن, بمعنى ان الاردنيين يرغبون بمعرفة حجم الاستثمار الحقيقي الذي دخل واستثمر فعليا في المدينة وشغل ووظف وحقق الاستقرار الاقتصادي المنشود, فالتنمية لا تتأتى بالمشاريع التي تقترض من الداخل وتعتمد البيع على المخططات قبل ان يرى المشروع النور.
لا شك ان الازمة المالية العالمية ستلقي بظلالها على العقبة الخاصة من عدة جوانب لعل ابرزها تأجيل تنفيذ بعض المشاريع الحيوية مثل اقامة ميناء جديد في المنطقة الجنوبية بتكلفة قد تتجاوز الـ 500 مليون دولار بسبب نقص السيولة في المنطقة, وخسائر لحقت بكبريات الشركات الاستثمارية العالمية, ناهيك ان عددا من المشاريع السياحية التطويرية تواجه مأزقا تمويليا حادا الامر الذي ينذر بتوقف بعضها وتأخر انجاز البعض الآخر.
الكل يعول اليوم على شركة المعبر الظبيانية التي تمتلك 3300 دونم من اراضي ميناء العقبة لاقامة واحد من اكبر المنتجعات والمناطق السياحية في الوطن العربي, خاصة ان تلك الشركة تتمتع بموارد مالية كبيرة ومستقرة لم تتأثر بالازمة المالية, الا ان المشروع لن يبدأ العمل الفعلي قبل الربع الاخير من العام الجاري.
لا يفهم من الكلام السابق اننا ننظر سلبا للمشروع, بل على العكس تماما, الجميع يتطلع لتعظيم الانجازات التي تحققت هناك, وهي فعلا تحققت في بعض المجالات, لكننا نرغب بالمزيد من التقدم والرقي.
تسع سنوات على العقبة الخاصة والطموح ما زال كبيرا بأن يتحقق حلم الملك بأن تصبح مدينة عصرية تحتل مركزا رئيسيا على خارطة الاستثمارات وموطنا لرؤوس الاموال الخارجية ووجهة سياحية تحقق الاستقرار الاقتصادي للمملكة, فالملك يريد تنمية للشعب لا نموا في الدخل والارباح لفئة محدودة, وكل عام والعقبة بألف خير.0
salamah.darawi@gmail.com