الاردني .. والدفع بلا مقابل
محمد حسن التل
12-02-2009 04:05 AM
امس تطرّق الزميل ماهر ابو طير في مقالته ، الى معاناة الاردنيين من عشوائية وظلم رفع الاسعار لمختلف السلع والخدمات ، وعلى رأسها المشتقات النفطية.
والحقيقة ان حديث الزميل ابو طير ، نكأ الجرح الغائر في خاصرة كل اردني ، ازاء الابتزاز الذي يتعرض له من قبل الحكومات والتجار ، من ناحية الارتفاع المهول لاسعار مختلف السلع والخدمات ، اضافة الى عشرات الضرائب التي يدفعها على مدار العام.
المعروف ان المواطن الاردني ، اكثر مواطن في العالم يدفع ضرائب متنوعة ومتشعبة ، مقابل القليل من الخدمات التي لا تكاد تذكر في كثير من الاحيان ، في معظم المجالات.
فالمواطن الاردني يدفع ضريبة دخل وضريبة مبيعات وضريبة مجاري بشقيها وضريبة مسقفات وضريبة معارف وضريبة خاصة ، اضافة الى دينار التلفزيون وفلس الريف الذي اصبح دينارا وعشرين قرشا ودينار الجامعات ودينار الايدز وضريبة الرسوم الاخرى ، وهناك ضرائب اخرى يكتشف المواطن بطريق الصدفة انه يدفعها. وفوق كل هذا يترك فريسة سهلة لنهش التجار ، دون اي تدخل من الحكومة ، بحجة الكذبة الكبرى "السوق الحرة"، الحكومة لدينا تتفنن في فرض الضرائب ، والظاهر ان نظرية "جيب المواطن بالنسبة للحكومة بئر نفط" اصبحت واقعا تتعامل معه الحكومات بجدية،.
نحن لسنا ضد الضرائب اذا كانت تقابلها خدمات وتسهيلات كما في كثير من الدول ، اما عندنا فالمواطن يتكفل بعلاج نفسه وعائلته ويتكفل بتعليم ابنائه وينفق في ذات الوقت على الحكومة ، التي لا تراعي حق الله في معظم اموره ، بل تبالغ في النفقات على حسابه ، من حيث السفر والتفاخر بالسيارات والمكاتب والنفقات المختلفة ، التي ترهق جيب دافع الضرائب.
الان الحكومة امام استحقاق تخفيض اسعار المشتقات النفطية ، التي تشهد تراجعا حادا في اسعارها دوليا ، ويبدو ان الحكومة ندمت على عدة تخفيضات اجرتها في الشهور الماضية ، واحست ان دخلها في هذا البند تراجع الى حد ما: فاخترعت قصة التسعيرة الشهرية ، التي جاءت موجهة ضد المواطن بالدرجة الاولى. وجاءت التسعيرة في الشهر الماضي مخجلة وظالمة ، حيث لم تجر اي تخفيض على البنزين ، وتم التخفيض بشكل رمزي على مواد الديزل والكاز والغاز. وهذه المرة التي سيأتي استحقاقها خلال ساعات ، بدأت التسريبات تظهر سواء في الاتجاه نحو رفع البنزين ، المادة التي كانت الحكومة منذ سنوات تقول انها تربح منها ، ولم تكن تشكل اي عبء على خزينة الدولة "حتى في وقت الدعم" ، وسيكون التخفيض رمزيا على الديزل والبنزين ، وربما تتراجع الحكومة عن التخفيض الرمزي للغاز ، وتحاول رفعه ، يعني ان المواطن كما يقولون "خرج من باب شرقي".
تُرى.. ألهذه الدرجة يبدو الاستخفاف بنا من قبل حكوماتنا ، التي سرعان ما تلجأ الى جيوب الناس في اي مبلغ تحتاجه لموازناتها المتعددة والمتشعبة ، نتيجة الانفاق العشوائي وغير المدروس؟ هل من المعقول ان تكون حكومة الاردن ، البلد الذي يعيش على المساعدات الخارجية والضرائب العامة ، تملك اكثر من عشرين الف سيارة معظمها من النوع الفاخر ، ذات المصروف العالي وان تكون تكاليف السفر السنوية لكبار موظفيها عشرات الملايين،.
ان المواطن في هذا البلد ، بات يشعر انه يدفع كل ما يملك مقابل لا شيء ، اي يدفع بالمجان ويضحي بأكثر من نصف دخله ، من اجل رفاهية الحكومة والمستفيدين من بركاتها،.
هل من المعقول ان يظل الاردني ، يدفع اضعاف اضعاف ثمن السلع والخدمات دون خلق الله؟ الى متى يظل هذا الاردني ، يلعب دور "جمل المحامل" وينظر الى دخله المتواضع اصلا ، وهو يتآكل يوما بعد يوم نتيجة تغول الحكومات في الضرائب والتجار في البيع والشراء دون رحمة،.
آن الاوان للحكومات ان تضع مصلحة المواطن - والتي هي اساس مصلحة الوطن - نصب اعينها وتقوم بدورها كخادمة لهذا المواطن ، لا ان تكتفي بدور الجابي فقط.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.