عبد الجبار نموذج الإلهام والفروسية
محمد الداودية
17-11-2017 12:24 AM
سنة 2008 أصيب الكاتب عبد الجبار أبو غربية بسرطان الرئة وانتصرعليه وشفي منه. وسنة 2010 أصيب جبار به لكن في الدماغ هذه المرة الا انه قاوم المرض الشرس بشراسة وهزمه. وسنة 2012 أصيب جبار بالسرطان مرة ثالثة فقاوم وقاوم الا انها كانت الأخيرة.
على «عمون» كنا نتابع مجالدته وكفاحه، كان يحدثنا مستخدما النكتة و»التريقة» متقصدًا تبسيط قيمة هذا المرض والاستخفاف به. انزله من عليائه، وجرده من هيبه، وكسّر صولجانه، وألهم المصابين ودفعهم إلى مقاومته؛ حين جعله هزوءا كالسعال أو الاسهال.
تحدث جبار - ولكل امرئ من اسمه نصيب- عن معاناته القاسية المرعبة، فبث فينا روح المقاومة وجلا الجبروت الإنساني وكان ملهما؛ ما يجعل تلك الكتابات مرجعًا من مراجع جبروت الإنسان وبيان قدرته وحدود ما يبلغه ويحققه عندما تتوافر العزيمة والوعي والإيمان.
وجهت إلى عبدالجبار أبو غربية رسالة إعجاب ومساندة واعتزاز قلت له فيها:
«صديقي المجالد ابو جاد الذي بهدل السرطان،
يقول مأثور جنوب الأردن وجنوب فلسطين: «ما بقهر الرجال إلا الموت».
وها نحن نراك تصبح شرسا وعرا صلفا، في قمة لياقتك النفسية والروحية كلما دنا منك هذا الوحش الذي أرعب العالم وتستخف انت به وتزدريه ولا تصطك ركبتاك ولا يعتريك القنوط.
انت يا صديقي حالة متقدمة في كفاح الانسان وجبروته وشموخه وبذخه وإفراطه في المهابة والجلال، تذكرنا بالمجالد الاسطورة شيخ ارنست همنجواي في روايته «الشيخ والبحر» انت عبد الجبار نموذج اتمنى ان يسجل المبدعون قصة سجالاتك، جسارتك، صولاتك ظفرك، خسارتك، ضعفك، ألمك وكبريائك. وأن يقدموها ويعمموها على المرضى المبتلين؛ ليستمدوا العزم والقوة منها.
دُمْ مُجالِدًا أو فاهوِ عبد الجبار كبيرًا شامخًا كما أنت، فارسًا تتكسر نصاله ولا يرتخي كفه عن مقابضها، فارسًا لا يفقد يقينه بأن الإنسان مجبولٌ على الوقوف والنهوض والعنفوان وأنه منذورٌ للجسارة ومستعدٌ للخسارة.
أنت عبد الجبار صقرٌ من صقور جبل الخليل، عشاقِ القمم والذرى.»
عبد الجبار أبو غربية، ظل في أشد احواله ألمًا وضعفًا بدنيًا النموذجَ الجميلَ مفرطَ الابتسامِ والفرحِ والمرحِ والضحكة المجلجلة. وهو نقيض الحالات التي تنهار وتستسلم وتقع وتستعجل النهاية، دون أن تلجأ إلى ما في روحها من عزم الإنسان -كل انسان- وقوته وجبروته.
لجأ جبار الى مخزون الإنسان فيه؛ الذي أمده بطاقة هائلة جعلت كلَّ أصدقائه وقرائه في عجب عجاب مما يفعل هذا الرجل. لم يلجأ عبد الجبار الى الشعوذة وإلى الدجالين المحتالين الذين يزعمون أنهم يشفون من هذا المرض اللعين، وحين يبتلون به، تجدهم يستعجلون دورهم لأخذ موعدٍ أبكر لتلقي العلاج الكيماوي.
يرحم الله هذا الجبار المجالد الجسور، الذي دلّنا بكل بساطة وعفوية على طاقات الإنسان غير المحدودة.
الدستور