أعتبر كتاب "قبول اللامعقول" للكاتب دان آرييلي المنشور خلاصته على موقع www.edara.com واحدة من أهم ما كتب عن سلوك الإنسان الاقتصادي. فهي تتناول المحركات الخفية لقراراتنا اليومية غير المنطقية، وتجيب عن سؤال: لماذا نتصرف بطريقة غير معقولة ونتخذ قرارات نعرف مسبقا أنها غير مسؤولة؟ والإجابة هي: أن الناس يرون ويسمعون ويفكرون بنسبة 10%، ويتكلمون بنسبة 90%.
ففي ليلة من ليالي خريف العام الماضي قدت سيارتي على سفوح جبلية رائعة الجمال، وكنت في طريقي لإحضار أختي من زيارة لأقارب لنا يسكنون في قرية على سفوح جبال "عجلون" المواجهة لفلسطين. وكانت قد مضت سنون لم أر تلك القرية. وفي طريق العودة تأكدت من أن ما أراه علم لا حلم. فقد كانت سيارات الـ: "مرسيدس" و "بي إم دبليو" و ذات الدفع الرباعي من طرازات 2008، تملأ جنبات الشارع. ولأنني أعرف أن سكان القرية يعملون في الزراعة، أو موظفين حكوميين، مما يعني صعوبة أن يتحولوا إلى "مليونيرات" في عام أو اثنين، قلت لأختي: "هذه القرية ستتعرض لكارثة اقتصادية عما قريب".
كنت قد سمعت أن أهل القرية باعوا أراضيهم ومصاغ نسائهم، ورهنوا بيوتهم، واقترضوا من البنوك وأودعوا أموالهم أو "ودًعوها" في البورصات المحلية والعالمية، وظهر فيهم فجأة خبراء اقتصاد ومنظرون ومحللون ماليون حولوهم إلى "أغبنياء"؛ أي (أغبياء-أغنياء). هؤلاء المساكين وصلت بهم أضغاث أحلامهم، ودخلوا في حالات من "قبول اللامعقول" حدا جعلهم يصدقون أن بإمكانهم تحقيق أرباح على إيداعاتهم تصل إلى 20% وأحيانا 30% في الشهر. ولهذا .. وقبل أن ينتصف الخريف، كانت قرية "الأغبنياء" قد خسرت 9 ملايين دولار.
الأغبنياء موجودون في كل مكان؛ حكاياتهم تشبه حكايات جحا، وهم يظهرون ويختفون بطبعات وأشكال مختلفة؛ في أمريكا والعالم هم ضحايا "برنار مادوف" وفي مصر ضحايا "نبيل البوشي" وفي الأردن ضحايا "عامر بني هاني" وفي الخليج ضحايا لبيوتات المال والأعمال والبورصات والعقارات التي شاط ثمن المتر المربع منها من "دولار" إلى "مليار" بفعل فاعل، وبتخطيط سمسار.
سألني العشرات وربما المئات عن رأيي في البورصات المضروبة، وكنت دائما أقول: "غير معقول". ولهذا السبب يتحدث العالم كله عن رجل اسمه "بيتر شيف" قرأ المستقبل جيدا، وحذر من الكارثة المالية العالمية قبل حلولها بأعوام، ولم يصغ إليه أحد! اقرأوا الكتابين اللذين نشرهما Peter Schiff حتى الآن، أو استمعوا إليه على "يوتيوب" وهو يحذر من الكارثة، ولكن؛ لم يسمع أحد، على وزن "لم ينجح أحد". فلماذا ترانا لا نرى ولا نسمع .. وفقط نتكلم؟ سأحاول الإجابة عن هذا السؤال في مقال لاحق، ليس بصفتي كاتبا فقط، بل وكواحد من "الأغبنياء".
smadi@edara.com