مختصون: تدريس الفلسفة بوابة لعبور المستقبل
15-11-2017 02:02 PM
عمون - يحتفل العالم غدا الخميس باليوم العالمي للفلسفة الذي اعتمدته منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" في العام 2002 ، على أمل تجديد الالتزام الوطني والإقليمي بدعم الفلسفة وتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة والاستجابة للتحديات المطروحة على البشرية وتوعية الرأي العام بأهميتها واستخدامها نقديا لدى معالجة الخيارات، التي تطرحها آثار العولمة ودخول المجتمعات عصر الحداثة.
وتهدف "اليونسكو" من هذا اليوم الى التركيز بوجه خاص على عدم تكافؤ فرص الانتفاع بهذا التعليم، والتأكيد على أهمية تعميم تعليم الفلسفة في المدارس وتعزيز ثقافة دولية بشأن النقاش الفلسفي مع الاحترام للتنوع ولكرامة الإنسان، وتشجيع التبادل الأكاديمي وتسليط الضوء على مساهمة المعرفة الفلسفية في معالجة القضايا العالمية .
ويدعو مفكرون وكتاب بهذا اليوم الى اعادة تدريس مادة الفلسفة في المدارس، في وقت اقرت فيه الجامعة الأردنية تدريس مادة "مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد" لكل طلبة الجامعة كمادة إلزامية.
الشوارب: الفلسفة تبدأ مع الطفل من خلال التفكير وطرح الأسئلة والحوار وقالت رئيس قسم العلوم التربوية بجامعة البترا الدكتورة أسيل الشوارب إن طبيعة الطفل وقدرته على التساؤل والاندهاش تشكل أساس الفلسفة، وقدرته على تعلمها وممارستها، مشيرة الى قول الفيلسوف كنت بأننا "لا يمكن أن نتعلم الفلسفة، بل يمكننا أن نتعلم التفلسف".
وأضافت، ان الفلسفة تبدأ مع الطفل من خلال التفكير وطرح الأسئلة والحوار، وبذلك تصبح منهج حياة يمارسه الطفل في كل لحظات حياته، وأن الاطفال يستطيعون ممارسة التفلسف بشكل يضمن تقديم معايير منطقية تحكم عملية التفكير لديهم وتوجههم، وليس بالضرورة أن يحاكي طريقة الكبار في التفكير بالأشياء، مشيرة الى أن الأبحاث أثبتت ومنها نتائج دراسة أجريتها عام 2003 على عينة من أطفال في مرحلة الروضة، أن الذين يدرسون الفلسفة يكون تحصيلهم الأكاديمي أفضل، ويحققون مستوى أعلى من الإبداع بكل أبعاده، ويطرحون أفكاراً أصيلة وجديدة عند مناقشة المواضيع، ولديهم المرونة القدرة على التفكير، والتعدد بالأفكار والبدائل الجديدة.
وأكدت الشوارب أن ممارسة الطفل للتفكير الفلسفي لها مردود واضح في تحصيله الأكاديمي وعلاقاته الاجتماعية، وتطور لديه الكثير من مهارات التواصل الفعالة مثل: فن الإنصات الدقيق، وطرق المحادثة الجيدة، والاستدلال المنطقي أحياناً، وما يرتبط بامتلاك أدوات التفكير العلمي الإنساني من دقة الملاحظة والتخيل والشك والاستنتاج ثم إصدار الحكم.
وتقول "لأننا في عالم يتسم بالزخم المعرفي والتقدم التكنولوجي، فإن ذلك يفرض مراجعة شاملة للمناهج وطرق التدريس لتلائم التغيرات وتساعد في بناء إنسان المستقبل القادر على مواجهة التطور والتحديات في كل المجالات"، مبينة أن العودة لتعليم الفلسفة يعتبر أحد أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة، حيث أصبح الاهتمام بتقديمها بطريقة وظيفية وتطبيقية يتم في سن مبكرة وبشكل يربط الفلسفة بالحياة ومشكلاتها؛ فينتقل الطالب من تحصيل المعرفة الفلسفية إلى أن تصبح الفلسفة نشاطاً وفعلاً حقيقياً ومعيشاً، وتوظيفها في مناقشات عقلانية لمشكلات ومسائل حياتية جدلية بما يشكل مدخلاً ثرياً للتفكير والسلوك وانفتاحاً على العلوم كافةً.
وشددت على ضرورة تأسيس نظام تعليمي متكامل يتبنى الفلسفة من مراحل مبكرة، داعية إلى تدريس الفلسفة للأطفال لتعويدهم وهم تلاميذ صغار على التفكير النقدي الحُرِّ والمستقل، ضمن أساليب تعليمية مناسبة تستند للقصة والحوار والفن والدراما، ويتم اختيارها ميدانياً في بعض الأحيان، وتصلح أن تطبَّق من قبل جميع المعلمين.
وقالت الشوارب إن "اليونسكو" تبنت دعوة الفيلسوف ليبمان لتطوير النظام التعليمي والتوجه نحو التقدم والدولة المدنية الحديثة، لكن –للأسف- غابت هذه البرامج في الدول الأفريقية والعربية التي تعاني من القيود التي تفرضها الحكومات على الأنظمة التعليمية وتوجيهها حسب مصالحها الضيّقة.
وأكدت أن تعليم الفلسفة للأطفال – اعتماداً على منهج ليبمان أو غيره – يعد استثماراً تربوياً قيماً، ويشكل حلاً لتحديات التعليم المقبلة ومواجهتها بأدوات بسيطة يمكن أن يتبناها المعلمون، ولنترك جانباً كل الدعوات التي تضع الفلسفة في برج عاجي بعيداً عن النظام التربوي العام، وبعيداً عن الطفولة.
حسني: توجه الطالب نحو الاستثمار في العقل وقال الزميل الصحفي والكاتب وليد حسني ان اليوم العالمي للفلسفة يعني احتفال العالم بطرح الأسئلة الإنسانية الكبرى، وإعمال العقل، وتحدي الجهل، وصناعة الفكر والتفكير، والتريض في معالم الكون بالعقل والمنطق، إنه يوم الحكمة، والعقل، والتعقل، واستكشاف الإنسان فينا، وصناعة السلام الذهني بين الكون والطبيعة والإنسان، لافتا الى أن المؤسسات التربوية العربية ومنها الاردن الغت تدريس الفلسفة عندما تخاصم العقل مع النقل.
وأشار الى أن الفلسفة الإسلامية في كل نطاقاتها بدت فلسفة مبشرة وواعدة ومنطلقة وجريئة وتجاوزت المنطوق الفلسفي الأثيني ورجالاته الأشاوس، من ارسطو الى افلاطون الى سقراط، فقد قوَّم العقل الإسلامي طروحاتهم وأعادها الى سياقاتها في طبخة فلسفية عربية اسلامية، وفعل ذلك ابن رشد في التراث الأرسطي والأفلاطوني.
وجدد حسني دعوته للخروج من التقليدية في مناهج التربية والتعليم والجامعات إلى تدريس الفلسفة واعتبارها منهاجا تعليميا اساسيا يبدأ من المراحل الدراسية الأولى لتهيئة العقل الطلابي لتقبل الدرس الفلسفي، مشيرا الى أنه في خمسينيات القرن المنصرم كانت الفلسفة منهاجا تعليميا أساسيا قبل الغائها، ونحن الآن اكثر حاجة لإعادة تدريسها خاصة وأن مناهجنا الدراسية الحالية لا تحتوي أية إشارات لتوجيه عقل الطالب إلى الفلسفة باعتبارها علما لكيفية تصالح العقل مع الكون والنفس والذات والناس.
وقال إننا نحتاج في مدارسنا لقفزات نوعية لغايات إعادة الاستثمار في عقل الأجيال القادمة خاصة وأن الأجيال الحالية لم تعد تتقبل فكرة التجديد والتطور، مؤكدا أن تدريس الفلسفة سينعكس إيجابا على صناعة التفكير لدى طلابنا، وعلى سلوكياتهم، وتعاملهم مع الآخر، وتقبل الحوار والتعايش مع الخلاف والاختلاف، وسينشأ جيل يتقن تماما كيف يسأل، ويفسر ويحلل، ويربط النتائج والمعطيات، لافتا الى أن تدريس الفلسفة في مدارسنا بوابة لعبور المستقبل وصناعة جيل بعقل يعرف كيف يوظف عقله، ويوجهه، ويصنع منه عالما بعقل.
شومر: الفلسفة تعلم الانسان التساؤل والحوار والتفكير وقال رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الاردنية الدكتور توفيق شومر إن الفلسفة تعلم الإنسان التساؤل والحوار وطريقة التفكير والحوار لخدمة الانسان والانسانية التي تعاني حاليا من العنف والغاء الآخر، مشيرا الى ان الجامعة الأردنية تحتفل هذا العام باليوم العالمي للفلسفة والتي أقرت تدريس مادة "مقدمة في الفلسفة والتفكير الناقد" لكل طلبة الجامعة كمادة إلزامية، متمنيا أن يتم تعميم التجربة على الجامعات الأخرى لتجاوز الاجحاف الذي لحق بالفلسفة منذ عام 1976 عندما قررت وزارة التربية والتعليم تعليق تدريس مادة الفلسفة في مناهجها.
وأشار الى أن تدريس الفلسفة والتفكير الناقد أحد الأركان المهمة لبناء قدرات الطلبة على امتلاك أسس التفكير السليم، والقدرة على اتقان بناء الحجة لتقديم نفسه بشكل مناسب للآخرين، وقواعد التفكير المنظم والناقد، ليكون قادراً على تقييم المواقف المختلفة التي يتعرض لها في الحياة، وتصويب الأفكار، وصولاً إلى استنتاجات صحيحة مدعومة بالأدلة بخصوص هذه المواقف وتقدم له منهجيات التفكير المناسبة التي تساعد على إدراك الاختلاف بين الخيارات المتاحة وكيفية الحكم.
وبين الدكتور شومر أن للفلسفة دوراً مهما في بناء الفهم المناسب بالقضايا الأخلاقية بشكل عام، وأخلاقيات التعامل مع الآخرين وأخلاقيات الحوار، بالإضافة إلى التعامل مع القضايا الأخلاقية في الأعمال وما يرتبط بها من مفاهيم مهمة لبيئة العمل ولتحسين المسلكيات المتبعة في مجتمع العمل، كما تبرز في مواضيع مهمة كمفاهيم: الأنا والآخر، حق الاختلاف، التسامح، القبول، الاعتراف، التواصل، الحوار، وهي ركائز تفيد المجتمع في محاربة التطرف.