الرئيس الملقي يدعو إلى مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي !!!
أ. د. انيس الخصاونة
14-11-2017 05:16 PM
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز القنوات والأدوات التي يتم من خلالها التعبير والنقد والتواصل بين الناس وخصوصا في الجوانب المتصلة بالسياسات العامة وإجراءات الحكومة ومواقفها من شتى القضايا المحلية والدولية. وقد عزز التطور المذهل الذي شهده حقل الإعلام الرقمي والإلكتروني الاتجاهات الدولية نحو الديمقراطية وحرية التعبير، لا بل فقد جاء هذا التطور متسقا ومتزامنا مع حركات التحرر في العالم وتراخي قبضة الدولة على حركة وانسياب الأفكار والأخبار خلال العقدين الماضيين. الربيع العربي وارتداداته المعاكسة في مصر وعدد من الدول العربية حركتها وسائل التواصل الاجتماعي. من جانب آخر فإن تواصل القيادات السياسية مع جماهير الشعب في كثير من بلدان العالم الديمقراطي الحر يتم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على سبيل المثال يستخدم تويتر كوسيلة وقناة رئيسية للتعبير عن سياساته وأفكاره ومواقفه من قضايا الأمة ، لا بل ويستخدم هذه القناة للهجوم على معارضيه وخصومه السياسيين متجاوزا كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التقليدية. معظم أعضاء الكونجرس الأمريكي يتواصلون مع ناخبيهم لاستطلاع آرائهم من خلال الفيس بوك ووسائل أخرى. ويتكرر الأمر ذاته في بريطانيا وكندا واستراليا وحتى في بعض الدول النامية التي قطعت شوطا متقدما في الديمقراطية وحرية التعبير.
تصريحات الرئيس هاني الملقي خلال لقاءه بالكتلة الديمقراطيّة النيابيّة قبل أيام والتي عبّر من خلالها عن تخوفه من وسائل التواصل الاجتماعي أثارت دهشة واستغراب العديد من الإعلاميين والمهتمين بالشأن العام والحريات العامة. رئيس الحكومة وهو صاحب الولاية العامة والضامن للحريات السياسية، كما يوجب الدستور نصح المشاركين في اللقاء بمقاطعة ما أسماها الكتابات السلبيّة على "الفيسبوك" قائلا "قاطعوا مواقع التواصل الاجتماعي، فأنا لا أفتحها ولا أتابعها"، ولا نعلم ماذا يقصد بالكتابات السلبية ؟ وهل يدخل في هذه الكتابات نقد أداء مؤسسات الدولة وقرارات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء وأصحاب المعالي الوزراء ؟ وهل يقصد الدكتور الملقي أن يتم استثناء مجمل كتابات المعارضة حيث أن كتابات المعارضة في الأردن وغير الأردن موجهه بشكل أساسي لنقد تقصير الحكومات وإبراز عيوب السياسات والإجراءات التي تتخذها الحكومة حيال قضايا الوطن؟،ثم ماذا عن القوانين التي تتحدث عن حرية انسياب المعلومات والشفافية وحق الرأي العام بالاطلاع على ما تفعله الحكومة؟.
عجيب ما سمعناه من تصريحات لرئيس الوزراء الذي يريد مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتقد أداء الحكومات، ولا أعلم كيف فات على دولة الرئيس أنه يشغل موقع سياسي متقدم في أعلى الهرم بعد جلالة الملك وتأثير هذه التصريحات على الأردنيين ممن يؤمنون بحرية التعبير والنقد. الأردنيون الذين يشغلون مواقع عامه معرضون للنقد والانتقاد لا بل فإن النقد والتعرض للسلبيات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يشكل تغذية عكسية راجعة للحكومات والمسئولين عن مدى القبول الاجتماعي والسياسي لدى الجماهير وأوساط الرأي العام .
وسائل التواصل الاجتماعي التي على ما يبدوا تزعج دولة الرئيس الملقي تشكل رافدا لدعم الحريات التي كفلها الدستور ووضع عقوبات لمن يعيق هذه الحريات، وهي أيضا تسهم في تنفيس الأزمات والاحتقانات وتشكل أحيانا بديلا عن المسيرات والمظاهرات. صحيح أن هناك تجاوزات واغتيال شخصيات وترويج لأفكار لكن هذه مخالفات تشكل الاستثناء لا لأصل وعلى من يتعرض للإساءة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أن يذهب إلى وحدة الجرائم الإلكترونية في الأجهزة الأمنية أو أن يذهب للقضاء.
لم يسلم مسئول في الدولة الأردنية من النقد والانتقاد فقد تعرض سائر رؤساء الحكومات السابقين للسيد الملقي للنقد اللاذع لسياساتهم وقراراتهم ، وأعتقد بأن المسئول الناجح هو من يستفيد من هذا النقد ويعدل من قراراته وسياسته إذا شعر بأن هذا النقد صحيح وبناء وإذا لم يشعر بسلامة النقد فيمكنه تجاهله. أعتقد بأن على دولة الرئيس التراجع عن تصريحاته واستبدالها بدعم للحريات العامة وخصوصا حرية التعبير وحث مستخدمي التواصل الاجتماعي على الوعي وتوخي الدقة آخذين بنظر الاعتبار قانون الجرائم الإلكترونية القادم قريبا....