آخر اكبر المساعدات من حيث الحجم تلقاها الاردن كانت من دول الخليج عبر صندوق التنمية الخليجي وقد كانت في حينها بمثابة حفل وداعي لم يتقبل كثير من الناس تفسيره على هذا النحو.
المتابع لحجم المساعدات والمنح التي يتلقاها الأردن ومصادرها يلاحظ أنها كانت تتراجع كمّا سنة بعد سنة كذلك كان الحصول عليها يزداد صعوبة, وهو ما كان يؤشر على أن توقفها أو على الأقل عودتها الى حدودها الدنيا متوقع في هذه السنة أو السنة القادمة على أبعد مدى.
في العام الفائت لاحظنا أن دول الخليج بدأت باصلاحات اقتصادية لضبط إنفاقها الخارجي ورفع الدعم عن سلع وفرض ضرائب ورفع أسعار المحروقات, لتخفيف أثر تراجع عائداتها النفطية وتراجع النمو الإقتصادي العالمي وقد حانت ساعة الحقيقة لتدرك الدول التي تتلقى مساعدات خليجية أنه لن يكون بوسعها الإعتماد على هذه المصادر في المستقبل..
ليس في الخليج فقط فأوروبا كذلك ومن الواضح أن تغييرا طرأ على شكل المساعدات الأميركية واليابانية وبالرغم من أن الأردن سعى للتحوط مبكرا للآثار المحتملة لمثل هذه المرحلة وبدأ إصلاحات مبكرة في الغاء الدعم الذي قوبل باعتراضات نجحت في أحيان كثيرة في إبطائها أو التراجع عنها لكن حتى اللحظة لم تترسخ القناعة العملية بأن حقبة الإعتماد على الذات يجب أن تبدأ.
دول الخليج المنتجة للنفط بدأت بالتخلي عن مكتسبات الرفاه الممنوح لمواطنيها, فليس مقبولا من الأردن أن يتصرف كدولة خليجية ويكون خليجيا أكثر من الخليج نفسه!!.
هذا يعني أنه ليس من الحكمة أن تبقى القناعة سائدة بأن المساعدات والقروض هي الحل وأن المانحين المشكورين من الأشقاء في الخليج سيبقون على أيديهم مبسوطة كل البسط لدعم مواطنين في دول أخرى بينما يسحبون الرفاه المتمثل بالدعم من تحت أقدام مواطنيهم..
يتخذ القائمون بضرورة مساعدة الاردن من عبء المديونية منصة على حاجته الى خطة إنقاذ ولو للمرة الأخيرة لكن هل المانحين مسؤولون عن تفاقم المديونية لأن منحهم كانت تذهب إلى دعم سلع ومشاريع غير إنتاجية؟
منذ وقت كان الخيار هو رفع لواء الإستثمار وبينما كان البعض لا يكتفي باعتباره ترفا بعيد المدى بل كان يحاربه كان في ذات الوقت يتمسك بخيار أن تذهب الحكومة إلى الدول المانحة أما أن تستجيب او تمارس لعبة ضغوط المصالح.
لا بمثل هذه اللعبة أن كان لديك ثمة ما تقدمه على صعيد الاقتصاد شريطة أن يكون لديك خطط استثمار واضحة ومحددة ومقنعة.
لو أن الأردن استفاد من تدفقات الدعم والمنح المجانية على مدى نصف قرن مضى في التحول الى الإنتاج ونبذ « الريعية « لما احتاج اليوم الى دولار واحد من المساعدات, بل على العكس لقد تأخرت دول الخليج الثرية في البدء بهذه التحولات أي مأسسة العلاقة, وماطل الأردن أيضا, في الإنتقال من دولة الريع إلى دولة الانتاج، والتحول إلى دولة مدنية مستدامة ومنتجة تعتمد على الذات.
الإعتماد لم يعد شعارا نتغنى به في عيد الاستقلال والمناسبات الوطنية فهو شكل من أشكال استقلال الأمم ام ان هناك من لا زال يرغب في الارتهان ليبرر طعنه للدولة بأنها مجرد دور وظيفي !!.
المساعدات هي مزيد من هشاشة العظام, ما يحتاجه الأردن اليوم هو برنامج يتيح ضخ استثمارات جديدة في صلب الإقتصاد, لماذا تنجح دول في ذلك ولا ننجح نحن ؟
الراي