عمون - محمد الخوالدة - احتلت مدينة الكرك عبر الاحقاب المختلفة مكانة تاريخية بارزة، فقد كانت مركزا من مراكز التجارة، و اصبحت مملكة قائمة بذاتها تدعى مملكة الكرك وقد رافق ذلك تطور فني في الحرف والصناعات اليدوية والغناء، الذي تميز بتعبيره عن البيئة التي يعيشها السكان.

ومن الوان الغناء الذي اشتهرت به المدينة: اوزان الشروقي والهجيني والحداء والرويد والسامر والرجيد وغيرها، ولكل من هذه الانواع طريقة في الغناء، تهدف الى وصف الحياة في المدينة، من مديح وغزل.

وتتميز الوان الغناء هذه بالرشاقة في الايقاع والمعاني السامية التي تعكس الحكمة الانسانية وفلسفة الحياة البسيطة. وتزخر الحياة في الكرك بموروثها الشعبي الذي يعنى بعبقرية الكلمة كدلالة على عزتها وعمق تاريخها، ولهذا اللون من الغناء جذور بعيدة في التاريخ حيث كانت الكرك في العصر المملوكي تحتضن اعدادا كبيرة من الفنانين الموسيقيين والمطربين، حتى ان الدولة فرضت ضريبة سميت ضريبة المغاني يدفعها الفنانون لقاء تنظيم الدولة لهذه المهنة، بما يشبه نقابة الفنانين في وقتنا الحاضر.

وظهرت في المدينة اول مطربة كركية سنة 1380 ميلادية، وقد انتقلت الى مصر واطلق عليها اسم المطربة الكركية، ونافست المطربات المصريات في ذلك الحين حتى ان السلطان الحاجي مظهر احب هذه المغنية الكركية وتزوجها لاتقانها للغناء

كما ظهرت في الكرك مغنية اخرى اسمها سلمى وهناك ايضا فنانة اسمها اتفاق، تتقن العزف على الة العود، وكانت المدينة تعج ببيوت الطرب وكان اهل الكرك يحضرون المغنين والمغنيات لاحياء مناسبات الافراح لديهم مقابل اجر.

ويتواصل مشوار الفن الكركي وصولا الى هذه الايام، حيث برز فنانون ارسوا قواعد الفن الذى تميزت به الكرك، فكان لهم بصمة واضحة في اعادة جمع شتات هذا الموروث الشعبي واظهاره في الاردن، وفي العالم العربي، ومن هؤلاء الشاعر والاديب الراحل نجيب القسوس، والفنانة ميسون الصناع، وجمال الشمايلة، وجمال الاغوات، ومحمود الطراونة، ويحيي القسوس مؤسس ورئيس فرقة الكرك للفنون الشعبية والمسرحية العام 1994 ، التي اخذت على عاتقها جمع الموروث الشعبي، بهدف تفعيل هذا الفن في محاولة لتطويره واخراجه للواقع بشكل يليق بمكانته التاريخية باستخدام ما يلزم من آلات موسيقية واكسسوارات وازياء تراثيه لاعتماد التراث كهوية فنية، ومصدر من مصادر التعبير والابداع ليصل الى كل مكان لتعريف الشعوب بما لدينا من فنون عريقة.

وقد شاركت فرقه الكرك في الكثير من المهرجانات الفنية التي تقام على المستويات المحلية والعربية والاجنبية، ومنها: مصر ولبنان والسعودية وتركيا واليونان والعراق وتونس، وتسعى الفرقة الى اصدار كتيبات واشرطة فيديو لتوثيق الوان الغناء الكركي.