مضت (مئوية بلفور) ولم تحدث حركة جادة على مستوى النظام العربي لنقلة نوعية في القضية الفلسطينية، والتي أصبحت تختصر (بالنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي)، وهي التي بدأت منذ قرن بعنوان (الصراع العربي- الصهيوني)، ودخلت القضية في (المئوية الثانية لبلفور)... وحالة النظام العربي متهالكة أو مثقلة بالأوزار... ولا أظن أن الحديث عن القضية يصنف (بخارج النص).
وفي هذا الخضّم الهائل من الهزّات والصراعات التي أوجدها النظام العربي لنفسه، بوعي أو بغير إدراك، فأن من أخطر ما يدور في المنطقة ويؤثر في مستقبل الأمة هو ذلك الخطر الذي يهدد حالة (النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي) حيث تجري الاتصالات والحوار المستتر بشأن ما يسمى (بصفقة القرن)... التي يحلم بها الرئيس الأمريكي (ترامب)...
وقبل التعريف بتلك الصفقة، فثمة تحليلات في الحلول المطروحة، والتي أدّت إلى التصّور التالي لدى الأطراف المعنية، عربية أم إقليمية أم دولية:
فحل الدولتيْن، وهو الحل الذي اعتمده المجتمع الدولي، وكان محور التحركات السياسية نحو (تسوية) ذلك (النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي)، أصبح في نظر المحللين السياسيين يواجه صعوبة التطبيق لعوامل عديدة لعل أهمها عدم الاقتناع الحقيقي به من قبل (إسرائيل المحتلة) ويدعمها في ذلك الرئيس (ترامب)، وغياب الاهتمام العربي الجادّ بإبقائه حيّا على الساحة الدولية، باستثناء الدور الفلسطيني الأردني في ذلك، باعتباره مصلحة وطنية فلسطينية ومصلحة وطنية أردنية.
- والحل المبني على المبادرة العربية، ربما يواجه المصير نفسه لأسباب عديدة أيضاً، ولعل من أهمها غياب الاهتمام العربي به من جهة، واشتراط (إسرائيل) أن يسبقه ما يسمى (بالتطبيع العربي- الإسرائيلي) والاعتراف بما يسمى (بالدولة اليهودية) من جهة أخرى: وذلك مرفوض جملة وتفصيلا من الشعوب العربية مهما كان وضعها، ضعفاً أو قوة.
- وينادي البعض من الجانبين العربي والإسرائيلي بحل (الدولة الديموقراطية المدنية الواحدة) في فلسطين، وهو مرفوض إسرائيلياً، من جهة، ويفتقر إلى رؤية عربية واضحة من جهة أخرى.
على ضوء هذه التحليلات السياسية، جاء اقتراح (ترامب) بما يسمى(بصفقة القرن)، وقد اتضحت بعض معالم تلك الصفقة، والتي يمكن إبراز أهمها:
- تفسير حل الدولتيْن بإيجاد كيان سياسي فلسطيني، أعلى من الحكم الذاتي واقل من صفة (دولة) يشمل المناطق التي تشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية.
- أولوية الاحتياجات الأمنية لإسرائيل من خلال بقاء الجيش الإسرائيلي في بعض مناطق الضفة الغربية المحتلة وبخاصة منطقة الأغوار.
- تسهيل التنقل للفلسطينيين، وحرية التصدير والاستيراد.
- تجميد التوسع الاستيطاني، مع مراعاة (النمو الطبيعي للمستوطنات) أي ما يسمى (تسمين المستوطنات).
- توطين اللاجئين في مناطق أقامتهم مع (تمتعهم) بالمواطنة الكاملة، وتعويضهم من الدول المانحة.
أما الآليات التي ستُتبع لذلك، فتشتمل على المباحثات (العربية – الإسرائيلية) من أجل تطبيع عربي شامل مع إسرائيل، وعدم تحديد جدول زمني، وعدم وضع شروط مسبقة لتلك المباحثات، أما قضايا القدس والحدود النهائية للكيان الفلسطيني، والعلاقات الفلسطينية، الإسرائيلية فتظل قابلة للتفاوض والاتفاقات.
ويمكن القول أن هذه الصفقة، وبهذه المعطيات، سواء كانت حقيقية أن تسريبات إعلامية، لا تتوافر لها أي فرص للنجاح، فهي تمثل المصالح الصهيونية- الإسرائيلية بامتياز، كما تجهض الطموحات الفلسطينية ونضال قرن من الزمان من أجل تحقيق الذات وحق تقرير المصير، وتهدد الأردن، دوراً وحقوقاً ومصالح... وبالتالي ستكون مرفوضة من الشعبيْن الفلسطيني والأردني.
وأخيراً فهي (صفقة منقوصة) وغير قابلة للتطبيق، ومرفوضة بداية ونهاية.
الدستور