كلما خالطت الناس ازددت يقيناً بأن الأخلاق مثل الأرزاق تماماً، هي قسمة من الله، فيها الغني وفيها الفقير.
هذا يحمل شهادة دكتوراه، وهذه تحضر لرسالة الماجستير، وذلك كاتب، وآخر يعرف عن نفسه مثقف، ناهيك عن المناصب من مدير الى مدير تنفيذي، وهذا مسؤول مهم في وزارة وذلك يمثل مؤسسة كبيرة !!!!
يقال: الألقاب ليست سوى وساما للحمقى، الأعلام العظام ليسوا بحاجة لغير أسمائهم، لا يهمني أن تكون مثقفاً إن لم تكن محترماً، ولا يبهرني مسمى مدير تنفيذي ما لم تكن مؤدباً، ولا يعنيني أن تكوني قاصة أو كاتبة دون أخلاق، ولن يكفي أن تكون أميناً عاماً دون حرص على المال العام أو مسؤولاً دون انتماء.
لم نعد نهتم لهذه المسميات، بل على العكس، أصبح صاحبها متهماً حتى يثبت العكس- وللأسف في أغلب الأحيان لا يثبت العكس- فأصبحنا إذا ما قابلنا مسؤولا يكون أول ما نفكر به من صاحب الواسطة القوية الذي أوصله أو أسقطه في ذلك المنصب؟؟ أما إذا عرف عن نفسه كمدير تنفيذي يخطر في البال من قابلنا من سيئي الذكر الفارغين ممن يحملون نفس المسمى، أما إن صدف وقابلت من تعرف عن نفسها بكاتبة أو قاصة تتذكر فوراً ما يقال عنها وعن غيرها من انعدام الكفاءة والموهبة –إلا من رحم ربي- ونعرف كيف يستغلون بعض الكتاب الموهوبين المغمورين ليضاف اسمهم في نهاية نص أو في مقدمة عمل أدبي تم دفع ثمنه.
كلنا صار يعرف حتى من لا تعنيهم هذه الأمور أسماء الجامعات التي تبيع شهادات الدكتوراه و كم ثمنها بالدولار أو اليورو ،وكيف يتم منح درجة الماجستير، قبل عدة أشهر أعلن دكتور في جامعة أردنية استقالته احتجاجاً على كيفية منح درجة الماجستير في بعض الجامعات، أما عن لقب مثقف أو صحفي فحدث ولا حرج، كم هو محزن أن يقال فلان ثمنه ساندويش فلافل ،وذلك بدلة هو يحدد لك ماركتها الأجنبية ،أما البعض فقلمه أغلى ثمناً ولا يقبض إلا كاش .
صدقاً لم تعد تعنينا مناصبكم ولا مسمياتكم ولا ألقابكم، ألقاب ابتدعتموها أنتم وأمثالكم ،تكلم حتى نراك وأعمل حتى نحترمك، هذا هو المقياس.
الدنيا تدور سريعاً وما يحدث حولنا على كل المستويات الداخلية والخارجية مخيفة ،أقنعة تسقط ووجوه تتغير وأحوال تتبدل، وقبل أن أقول أعمل لآخرتك أقول أعمل لدنياك... لسمعة محترمة وذكرى طيبة.
في هذا الجو القاتم أقول (إن خليت بليت) لا يمكن أن ننكر وجود تلك النجوم المضيئة في هذه العتمة ،وكم من هؤلاء دفع ثمن استقامته ونزاهته ورفض أن يتنازل عنها، وآثر كرامته على كل المغريات.
صادف أنني التقيت خلال الفترة الماضية قامة صحفية كبيرة، وقامة سياسية قديرة في هذا البلد الغالي، عندها عاد لي بعض من تفاؤل وأمل أن هناك جبالا راسخة، رجالات محترمة، وقامات عالية، متواضعة صاحبة فكر وخلق (ملأى السنابل تنحني بتواضع... والفارغات رؤوسهن شوامخ) فالرجال العظماء هم من يعطوا المناصب قيمتها ،ولا يمكن للمناصب أن تصنع الرجال.
حماك الله يا وطني