الأردن بلا مغامرات سياسية
فايز الفايز
12-11-2017 12:23 AM
عندما تدلهم الخطوب وتتشابك الروايات وتتعقد الظروف وتتقارب الأضداد وتتسارع الأحداث وتتغير المواقف فجأة، وكل ذلك يحدث فجأة ودون قراءة مسبقة للمستقبل السياسي الواقعي في الإقليم العربي الذي تتهاوى أطرافه، فإن الصمت السياسي هو أفضل ما قد يكون لقائد يعرف التفاصيل في كل ما يحدث من حوله، وليس ثمة مؤشرات تدفع بالمرء ليتفاءل بدفن ماضي الخلافات العميقة دون ثمن، ولهذا اختار الأردن طوعا أن يجلس على شرفة المشهد مؤقتا، ليراقب تحول المواقف وتسارع التنازلات وتحول الخناق الى عناق، فما يحدث حولنا يرتبط بالأردن ارتباطا عضويا، وأي نهاية لأي خطة مستقبلية شرطها المباركة أردنيا. يرى جلالة الملك دائما أن الحلول المؤقتة تضر أكثر مما تنفع، وأن أي علاقة ثنائية أو أكثر تعتمد على البراغماتية والمصلحة المؤقتة هي علاقة فاشلة لن تؤدي إلا الى الضرر الأكبر مستقبلا، لهذا نجد أن تحركات الملك مدروسة بنظرية الشطرنج في محاولة للتحرك بتأن نحو مستقبل العلاقات السياسية في المحيط العربي والإقليمي، والأهم في الأراضي الفلسطينية أو مع إسرائيل التي باتت بضاعة مشتهاة في دوائر الحكم العربي كبديل للذراع الأميركية في مواجهة الخصوم.
فالمصالحة الفلسطينية الفلسطينية طالما كانت مطلبا ورغبة أردنية، يؤكد عليها الأردن رسميا منذ سنوات، ولكن دون الإضرار بالواقع التاريخي للعلاقة الأردنية الفلسطينية، ولكن ما جرى من تفاهمات أخيرة ما بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية بضغط مصري واضح ودعم أميركي وخليجي، ليس نابعا من إرادة فلسطينية حقيقية، فلا حماس تثق بالسلطة ولا السلطة تحب حماس، ولكن المشكلة أن إسرائيل لا تثق بالطرفين، ومع هذا سمحت بحفلة عرس فلسطينية تحدث، ثم تنتظر نهاية شهر العسل، ولكن التطورات الأخيرة مع حماس لا تبشر بخير.
إن قيام وفود من حماس بزيارة الى إيران تحت غطاء تقديم التعازي للقائد العسكري قاسم سليماني مؤخرا بوفاة والده، يخرج حماس من القلب العربي المفطور مما اقترفت يدا سليماني وقادة الحرس الثوري الإيراني الهمجيين في العراق وسوريا، ولا أقصد سياسيا ولكن حربيا، فحينما يكون سليماني عنوانا لمقتل وتشريد مئات العرب السنة وتدمير بيوتهم، ثم يجد من يحضنه بالقبُل من حماس عنوان المقاومة ضد الأعداء الإسرائيليين في نظر كثير من العرب، فهذا يعني أن حالة الإستبدال الجديدة تثبت بأن حماس تلعب لعبة مؤقتة مع السلطة الفلسطينية، وقد تنقلب عليها حالما تفتح لها أبواب الضفة الغربية.
ولكن هل ستصمت إسرائيل إذا تحولت حماس الى ذراع إيرانية يسرى مقابل ذراع حزب الله، بالطبع لا، بل ستندلع حرب جديدة ستدمر البنية التحتية كما حدث في 2008 وما بعدها، وستزيد في مآساة الشعب الفلسطيني الذي كلّ وملّ من الإتجار به من قبل الرؤوس الحامية ومن القلوب الباردة، وسنبقى في الأردن نشهد على مرحلة جديدة من مراحل أفلام الرعب السياسي الذي ستمارسه الفصائل السياسية الفلسطينية التي تريد أن تبني دولة عظمى على ورق. المعلومات الواردة من مصادر إعلامية أميركية تحمل مؤشرات خطيرة فيما يخص الوضع في لبنان، فهي تتجهز لحرب قادمة بسرعة ما بين المعسكر العربي الغربي وإيران وأصابعها، والمعركة في لبنان، ودون الخوض في تفاصيل التغيرات المتسارعة خلال إسبوع مضى، فإن المخيمات الفلسطينية هناك معروضة للبيع في سوق الحرب الجديدة، والمعلومات أن دولا وشخصيات تراهن على الفلسطينيين كجنود في معركة قد تحدث ضد حزب الله الموالي لإيران، وهذا من الخطر بمكان حين تصفي الدول حساباتها على حساب مستقبل الشعبين اللبناني والفلسطيني اللذين تفصلهما براميل البارود، وستكون النتيجة إعطاء المبرر لترحيل الفلسطينيين الى بلد آخر، ولنا أن نفهم الى إين.
إن الأردن الذي يشبه «تقاطع الطرق» في الشرق الأوسط، لا يمكن أن تجري عجلة حربية أو سلمية دون العبور منه، ولكن الحكمة، التي باتت إحد متطلبات السياسة الأردنية، تجبرنا ألا ننخرط في أي مشروع قد يهدد أمن وسلم الجوار العربي، بل لا يمكن أن يرضخ الأردن لرغبات أو تجارب سياسية تهدد مصالحه العليا، والحل السياسي هو المنظور الوحيد الذي ينادي به، لهذا يجب علينا أن لا نسير في ركب الرحالّة المغامرين السياسيين، أو مع من يحبون الإستثمار في الحروب الغبية.
Royal430@hotmail.com
الراي