حطي على النار يا جدة ، حطي على النار عيدان ، هات المعاميل و العدة ، تانسقي الظيف فنجان ، حينما كانت الضمائر مستريحة و البال فاض ، و البيادر تتسع للقمح و الذرة و الشعير و تتسع لدبكات الروسان و العمرية و باقي مكونات أم قيس العشائرية الحبيبة ، و المشهد يتكرر في الرمثا على أنغام المجوز و دبكات الزعبية و الذيابات و باقي مكونات المجتمع العشائري الرمثاوي ، و نفس المشهد يتكرر في الكرك و معان و الأغوار و البادية و في كل ساحة من ساحات الأردن الجميل الحبيب ، و كان اليرغول أو المجوز و الشبابة سيد الموقف ، و كان الشيوخ على راس الدبكة بينما النساء تعج أمسيات الصيف بزغاريدهن و القهوة العربية مع مشروب الطاقة الأردني ، الشاي لا ينقطع و لا يتوقف عن الحضور.
كانت الحكومة ترتقي لمستوى الشعب ، و رأيت و كنت صبيا في ذلك الوقت جنودا و ضباطا من الأمن العام يشبكون في الدبكة بملابسهم العسكرية و تشعر أن الله قد ملأ قلوب الناس كلهم محبة و طربا و هناء ، و كان الناس راضون ، مبتهجون يحبون كل شيء حتى فقرهم و عوزهم ، و كانوا ممتلئون وطنية و قومية و دينا و أقرب للوطن من حبل الوريد ، لكن الحكومات كانت منسجمة مع الناس ، كانت على كل ما فيها من عيوب و أخطاء كانت حكومات تملك حسا وطنيا صادقا و تشعر مع جوع المواطنين و مع غضبهم و مع حاجاتهم .
كانت الحكومة تسعر الخضار و الفواكه و اللحوم حتى لا يفترس التجار المواطنين ، و كان الأردنيون يزرعون القمح و الشعير و الذرة و يطعمون أنفسهم قبل أن يجف الضرع و يموت الزرع و تتخلى عن الأرض السماء ، و اليوم صارت البيادر كلمة تحتاج إلى شرح في القاموس لأن الشباب لا يعرفونها و الأعراس تقام في تلك الزنازين المسماة صالات أفراح و الأثرياء يقيمونها في فنادق الخمس نجوم ، كان العرس فرحا و صار العرس واجبا مليئا بالمنغصات و الانتقادات ويحتاج إلى عشرات الألوف من الدولارات و من ليس معه يقيم عرسا كأنه خطيفة أو حراما يسرقه بأقصى سرعة و في غياهب الظلام.
كان الأردن وطنا عظيما ، و كانت الأمة العربية أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة و كان الدين يخضع له الحاكم و المحكوم قبل أن تتمزق الأمة و تخضع لباقي الأمم و تسرق ثرواتها أمام أعين أبنائها بينما الأبناء جياع يتضورون جوعا ، و صار الأردن يبحث عن الخبز و الحكومة تبحث عن عاصمة جديدة ، و كأن ربة عمون ، فيلادلفيا عمان عاصمة التاريخ لا تتسع للحكومة.
النار ما تزال مشبوبة و لكن في كل أرجاء الوطن العربي ، النار مشبوبة في سوريا و اليمن و ليبيا و العراق و تكاد تشب في كل أنحاء العالم العربي ، و الذين يحطون عليها عيدانا هم أعداء الأمة و تلاميذ الاستعمار ، الذين يريدون أن يحرقوا الأخضر و اليابس بعد أن حرقوا كثيرا منه ، كانت النار مشبوبة في بلادنا لإعداد القهوة العربية للضيوف و المعازيب ، و ليس لقتل الضيوف و المعازيب ، و كان الناس يعيبون على من يقتل حتى هرة أو دجاجة و صار المحللون يجدون في قتل عشرات الألوف أمرا عاديا متماهيا مع العصر الحجري الأمريكي الذي يسرقنا و نحبه و يدمرنا و نتمنى أن نزوره و يحرقنا و نقول له نارك و لا جنة هلي.
استريحي يا جدة ، و لا تحطي على النار عيدان فالموقدون كثر و النيران تشتعل في كل مكان ، ليتك يا جدة ما فتحتي موضوع النار و لو كنت تعلمين أن النيران سوف تشتعل في كل أرجاء معمورة العرب لربما اشتريت قهوتك من عند أبو العبد خوفا على أمتنا من الاحتراق.