من طرائف الأعراب (مسرحية من مشهد واحد)
10-11-2017 10:45 AM
عمون - بقلم: عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
مسرحية من مشهد واحد
المكان : بلدتي حيث أقيم
الزمان : زمن الصبا والشباب
الأشخاص : أنا ابو عارف ، وصاحبي أبو اليقظان ، وكتاب فيه من الأصحاب والأحباب من لم تجد مثلهم في أي مكان .
المشهد الأول ( الوحيد) :
أبو عارف : ذهبت يوما لزيارة صاحبي ( أبو اليقظان ) ، طرقت الباب ، فتح لي ابنه ، قلت : السلام عليكم يا بني ، هل والدك موجود ؟
الولد : نعم موجود ، تفضل
أبو عارف : دخلت بعد أن فسح لي ، فإذا الدار خالية من أهلها إلا من صاحبها أبي اليقظان حيث كان يجلس تحت شجرة الليمون في باحة الدار ، وابنه هذا يقوم بين يديه ، قلت : السلام عليكم
أبو اليقظان : لم يرد ولم ينتبه لوجودي ، كان يضحك من كل قلبه ، يحمل بين يديه كتابا، وكلما قرأ جملة ضحك حتى يستلقي على قفاه.
أبو عارف :السلام عليكم يا أبا اليقظان !
أبو اليقظان : عليكم السلام ، هذا أنت؟ أهلا وسهلا، تفضل اجلس .
أبو عارف : افضلت .... أضحك الله سنّك ، وأدام سرورك ، مم تضحك ؟
أبو اليقظان : اجلس ... واسمع .. يقرأ :
حضر أعرابي سفرة سليمان بن عبد الملك (وهذه كانت من عادة الخلفاء ) فلما أوتي بالفالوزج (وهو نوع من الحلوى ) جعل يسرع فيه
أبو عارف : كيف يعني يسرع فيه ؟
أبو اليقظان : يعني يأكل منه بشراهة وعجلة .
أبو عارف : كأنه أعجبه وأحبه
ابو اليقظان : نعم... نعم.. ولم لا .. إنه طعام الملوك ! اسمع :فقال له سليمان : أتدري ما تأكل يا أعرابي ؟ قال : بلى يا امير المؤمنين : إني أجد ريقا هنيئا ، ومزدردا لينا ( لا يحتاج إلي مضغ ) وأظنه الصراط المستقيم الذي ذكره الله في كتابه. ضحك سليمان وقال : أزيدك منه يا أعرابي ، فإنهم يذكرون أنه يزيد في الدماغ . قال الأعرابي : كذبوك أيها الأمير، لا تصدقهم ، لو كان كذلك لكان رأسك مثل رأس البغل !!
أبو عارف : يضحك حتى استلقى على قفاه ، ويقول : الأعرابي يرد على أمير المؤمنين هذا الردّ ، سبحان الله كم كانوا حلماء لطفاء
أبو اليقظان : إنهم ملوك بحق، وعظمتهم تظهر في حلمهم .
أبو عارف : تصور لو أن هذا الأعرابي قال هذا الكلام لرئيس مخفر ، ماذا كان يفعل به ؟ أقلها كان يتهمه بأنه يحقر الحكومة ، ويحوله الى محكمة أمن الدولة، بالله عليك أخي ابو اليقظان اقرأ علي المزيد زادك الله من فضله . هؤلاء الأعراب أصحاب فطرة سليمة ، وسريرة نقية .
أبو اليقظان : اسمع هذه يا أبو عارف ، كان هناك رجل ظريف يسمى (ابو مهدية ) وهو شخص معروف في زمانه ، توفي له ولد ..
أبو عارف : أبو مهدية توفي له ولد ، نعم سيدي أكمل .
ابو اليقظان :فجاءه معارفه وجيرانه يقدمون له واجب التعزية ، قالوا له :
أبشر أبا مهدية ،فإنا نرجو أن يكون لك شفيع صدق يوم القيامة .انفجر أبو اليقظان ضاحكا !
أبو عارف : لماذا تضحك ؟ أكمل وأضحكنا معك !
أبو اليقظان :هم يقولون له : نرجو أن يكون لك شفيع صدق يوم القيامة ، وهو يردّ عليهم ويقول : لا وكلنا الله إلى شفاعته
يعني لا يريد شفاعته !!
أبو عارف : يا لطيف ! لماذا ؟
أبو اليقظان : قال لهم : إذن والله يكون أعيانا لسانا ،وأضعفنا حجة ، ليته المسكين كفانا نفسه .
أبو عارف : كلامه صحيح والله ، طفل صغير ، لا يعرف الكلام ولا يستطيع الدفاع عن أحد ،يا ليته يدافع عن نفسه ولا أريد منه شيئا .
أبو اليقظان : اسمع يا أبا عارف ماذا فعل أبو مهدية هذا أيضا .
أبو عارف : كلي آذان صاغية ،سأبقى معك حتى الصباح إذا كنت تقرأ علي مثل هذه الطرائف .
أبو اليقظان : يقرأ : لما تقدّم أبو مهدية في السّن صار واليا على جانب من اليمامة ، وكان يقطن في هذا الجانب قوم من اليهود أهل يسار وغنى ، فارسل إليهم ابو مهدية ، فلما حضروا قال لهم : ما عندكم من المسيح ؟ يعني تعرفون ماذا فعلتم مع المسيح ؟ قالوا : نعم .. قتلناه وصلبناه !
قال لهم : إذن تعترفون بفعلتكم ؟ قالوا: نعم
أبو عارف : وهل صدقهم ؟
أبو اليقظان : ما هذه هي المشكلة ، إنه يريد شيئا آخر .
أبو عارف : وماذا يريد منهم ؟
أبو اليقظان : لا تكن عجولا يا أبا عارف ، عندما قالوا : قتلناه وصلبناه ، قال : هل غرمتم ديته ؟ يعني هل دفعتم حق دمه
قالوا :لا
أبو عارف : حلو ... وقعوا في الفخ . ماذا فعل معهم ؟
ابو اليقظان : يريد ديّة المسيح ،هل يترك دم المسيح يذهب هدرا ؟ لا يمكن أبدا ! فأقسم أبو مهدية انه لا يتركهم حتى يدفعوا دية المسيح الذي قتلوه
أبو عارف : رائع ..بطل والله... وهل دفعوا ؟
أبو اليقظان : في البداية رجوه .. وتوددوا له .. وبكوا بين يديه وهو مصرّ لا يطلقهم حتى يدفعوا الديّة ، فلم يجدوا بدا من الدفع فدفعوا حتى رضي وهم صاغرون.
أبو عارف : كثّر الله من أمثالك يا أبا مهدية يا شهم
تابع أبو اليقظان تابع
أبو اليقظان : اسمع .. اسمع يا أبا عارف ، قال أحدهم : سمعت أعرابيا وهو يقول في الطواف في موسم الحج ( اللهم اغفر لأمي ، اللهم ارحم أمي ) فقلت له : مالك لا تذكر أباك ؟ قال : إن أبي رجل يدبر نفسه ويعرف كيف يخلصها أما أمي فمسكينة لا تعرف كيف تتصرف !
والله معه الحق ، هذا إذا كانت فعلا مسكينة ، أما اذا كانت مثل حماتي فإنها تدوّخ حتى الملكين الكاتبين
أبو اليقظان : اسمع الى هذا الأعرابي ايضا :
أبو عارف : هات اسمعنا واتحفنا الله يفتح عليك
أبو اليقظان يقرأ : جيء بأعرابي إلى السلطان ومعه كتاب قد كتب فيه قصته ، حتى وقف بين يدي السلطان ، وقال : هاؤم اقرأوا كتابيه ! فقيل له : هذا يقال يوم القيامة ! قال: هذا والله شرّ من يوم القيامة ، انّ يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي ،وأنتم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي .
أبو عارف : صدق والله الأعرابي ، حتى لو كان له حسنات يبدلونها سيئات ثم ينالوا منه ، جزاك الله خيرا يا أبا اليقظان ، لقد طابت سهرتي الليلة معك ، وامتعتني كثيرا ، ولكني أحسّ فتورا في جسمي ، وقد دبّ النعاس في رأسي ، استميحك عذرا ، اسمح لي ...
أبو اليقظان : اسمع هذه النادرة قبل أن تذهب
أبو عارف : هات يا سيدي أرى أني سأبيت الليلة عندك .
أبو اليقظان : أهلا وسهلا ومرحبا البيت وصاحبه في خدمتك . استمع إلى النادرة
( ولّى أحد الأمراء عاملا على عمل له ، فأصاب منه خيانة ، فأمر بعزله وإحضاره ، فلما مثل بين يديه قال له : أكلت مال الله يا عدوّ الله !!؟ قال العامل : أيها الأمير مال من آكل إذا لم أكل مال الله فإني لم أجد غيره ، ثم إني راودت إبليس أن يعطيني فأبى أن يعطيني فلسا واحدا !
عندها ضحك الأمير وخلّى سبيله
أبو عارف : يضحك ... يضحك وهو يقول : فعلا مال من يأكل ؟ سامحك الله يا أبا اليقظان على هذه الطرائف ، من أين لك هذا الكتاب ؟
أبو اليقظان : إنه كتاب قديم كان أبي عليه رحمة الله يقرأ فيه ، وكان يوصيني أن أحافظ عليه لأنه نادر وكثير الفائدة
أبو عارف : عليه رحمة الله تعالى وعلى والديّ وعلى أموات المسلمين أجمعين
والآن اسمح لي وغدا سنكمل إن شاء الله تصبح على خير .
أبو اليقظان : وأنت من أهل الخير ، رافقتك السلامة .