تحول ايهود باراك وتسيبي ليفني فجأة في نظر بعض المحللين العرب ، الى حمامتي سلام وادعتين بين عشية وضحاها ، واصبح غيابهما المحتمل عن المسرح السياسي في اسرائيل بعد انتخابات اليوم ، حدثا يوجب علينا ان نذرف من اجله الدموع ، لانه يهدد عملية السلام التي تستحق خرزة زرقاء كبيرة ، لحمايتها من حسد الحاسدين،،
واصبح صعود نجم نتنياهو وحليفه ليبرمان في سماء السياسة الاسرائيلية ، نذير شؤم يهدد بجر المنطقة باسرها الى اتون المجهول ، وتبارى المحللون في عرض مواقف ليبرمان العنصرية ، وكيف انه توعد عرب الداخل بالطرد ، ما لم يوقعوا قسم الولاء للدولة والعلم والنشيد في اسرائيل ، واعادوا الى الاذهان ان نتنياهو لا يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في الوجود ، ناهيك عن حقه في اقامة دولته على ارضه.
كل هذا صحيح ، فالارجح ان الانتخابات الاسرائيلية اليوم ستكشف الوجه المتطرف والعدواني والدموي الحقيقي للمجتمع الاسرائيلي ، وثمة احتمال كبير ان يحسم الناخب الاسرئيلي خياراته ، بتفويض الثنائي الدموي نتنياهو وليبرمان بادارة دفة الحياة السياسية في اسرائيل.
لقد كان من الممكن ان نشاطر هؤلاء المحللين احساسهم بالفجيعة ، لاحتمال غياب حزبي كاديما والعمل عن المشهد السياسي الاسرئيلي ، لو اننا كنا مصابين بفقدان الذاكرة او لو ان مرض الزهايمر المسبب لحالة الخرف ، قد داهمنا على حين غرّة. ولكن دماء الابرياء من النساء والاطفال ، التي اراقها "دعاة السلام" من كاديما والعمل في غزة لم تجف بعد ، كما ان ذاكرتنا ليست مخترقة الى هذا الحد،.
لقد اوغل اولمرت وليفني "كاديما" والعمل "باراك" في دماء الفلسطينيين في غزة ، بشكل وحشي شرس يجعل مجرد غيابهم عن المسرح حدثا سعيدا ، بغض النظر عمن سيأتي بعدهم ، حتى لو كان الطوفان بعينه.
كما اننا لم ننس بعد ، كيف ان المراوغ الفاسد اولمرت باع العالم كله اوهام السلام لعدة سنوات ، وهو ينتقل من اجتماع عبثي الى اجتماع عبثي اخر مع الرئيس الفلسطيني ، دون ان يقدم للرجل اي شيء ، اللهم الا زيادة المستوطنات وبناء الجدار العازل ، وزج المزيد من الشباب في المعتقلات ومصادرة اراض اضافية واقامة نقاط تفتيش جديدة.
ولم يغب عن ذاكرتنا بعد ، كيف حاصر المجرم الغائب عن الوعي شارون ، مؤسس "كاديما" ، الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، وكيف عاقبه وعذبه وقتله ، لانه لم يقدم كل التنازلات المطلوبة.. لتحقيق السلام.
لقد دقت ساعة الحقيقة ، وآن الاوان لرؤية الامور كما هي دونما رتوش او محسنات ، فقد سقط القناع وظهر المجتمع الاسرئيلي على حقيقته ، باعتباره مجتمعا يؤمن بخيار القوة والعدوان ، ولا يرى في السلام خيارا يحقق له اهدافه. وفي واقع الامر ، فان جميع الاحزاب الاسرائيلية ، تلتقي عند نفس الهدف ، عندما يتعلق الامر بالسلام والعلاقة مع الفلسطينيين والعرب ، ولكن الفرق هو ان البعض يلبس قناعا زائفا ، مثل اولمرت وباراك وليفني ، بينما لا يضع الاخرون رتوشا ، ويسمون الاشياء باسمائها.
والسؤال هو: ماذا سنفعل نحن وما هي خياراتنا؟ فاذا كانت اسرائيل قد حسمت خياراتها باتجاه العدوان والتطرف ونبذ الاخر: فهل سنواصل الاتكاء على نفس الادوات المثلومة القديمة ، ونستمر في ترديد المعزوفات المكرورة ، التي رفضها المجتمع الاسرئيلي؟ واذا كان تطورا مثل هذا الزلزال السياسي الذي يوشك ان يقع في اسرائيل ، غير قادر على دفع العرب الى توحيد صفوفهم ومراجعة خياراتهم: فما الذي يمكن ان يحقق هذه المعجزة ، خصوصا وانهم لوحوا بعدم ابقاء المبادرة العربية على الطاولة الى الابد ، في مؤتمر القمة الاخير؟.
ان السلام يحتاج في العادة الى طرفين ، فاذا كان الطرف الاخر قد انتقل من مرحلة بيع اوهام السلام ، الى مرحلة العداء السافر والغاء وجود الاخر ، أفليس من الضروري ان نعيد نحن ايضا دراسة خياراتنا ومراجعة توجهاتنا؟،
** الكاتب الزميل رئيس تحرير يومية الدستور