العلاقات الاجتماعية ضرورة نبيلة، يجب أن لا تفقد طابعها العفوي التلقائي النقي، وبقدر تفاؤلي عال وانفتاح على الحياة،،، إلا أننا عندما نشاهد مظاهر التفاخر والتباهي والاستعراض التي تمكنت إلى حد بعيد من قولبة أغلب عاداتنا الاجتماعية وإعادة صياغتها وفق قيم الاستعراض الفجة والتباهي البغيض وانعكاس ذلك على الخطاب اليومي المتداول بيننا، نشعر بنوع من التشاؤمية والسوداوية لما آلت اليه نفوسنا من انهيارات وضعف وخراب نفسي واضطراب للعلاقات الإنسانية نتيجة غياب بعض القيم الثقافية الإنسانية كالتضامن والاكتفاء بالحاجيات الضرورية، والقناعة، والإيثار… وغياب العلاقة بين الإنسان وماضيه التكافلي مع الآخرين، واندثار القيم الثقافية المستمدة من مبادئ الدين، وبروز نوع من الفردانية المتوحشة. فكل شخص يضع نصب عينيه إشباع رغباته وتحقيق مصالحه الفردية، ويسعى إلى الاندفاع نحو التنافس غير الشريف مع الآخرين وتدميرهم.
ثقافة الاستعراض (شوفوني) هي الثقافة السائدة اليوم وفي مجملها علاقات تدميرية بين أفراد المجتمع، البعض يعيش على حساب الآخر، الضحية الذي يكد ويجهد نفسه لتلبية حاجيات الآخرين،
وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت سلبيات سلوكية، لم نألفها من قبل، أوجدت آفة محددة اقتحمت حياتنا اليومية وهي ثقافة الاستعراض: رحلاتنا استعراضية عزاءاتنا استعراضية، حيث نرى فيها ما نرى من اشكال "الفشخرة" والبرهجة و"مسح الجوخ" والنفاق والتملق والتصنع والاستعراض والتسابق على إظهار الذات، مشاركتنا في الفعاليات استعراضية حيث نهتم بالدرجة الأولى بالصورة لنشرها على صفحاتنا. اهتمامنا لأبوينا للاستعراض. دعاؤنا وصلاتنا استعراضيّ... زيارة الكعبة استعراضية، الوقوف بعرفة استعراضي حيث تبدو زيارة الديار المقدسة وكأنها للتصوير والنشر والمباهاة، لم تسلم جميع مناسباتنا من ظاهرة الاستعراض. مناسباتنا الخاصة (الأفراح
والأحزان...) دخلت فيها عقدة الصورة. قديماً كانت الصورة لتوثيق الموقف أو المناسبة. أما الآن انتقل هدف الصورة من التوثيق إلى العرض. بتنا نتصور لنعرض فقط، وليس لنحتفظ. عرض لصور الموائد والأطعمة والبيوت والمزارع والقصور والرحلات وحتى صور أطفالنا وزوجاتنا .....
استحكمت فينا عقدة حب الظهور، حتى صرنا نشعر أن كل حركة نقوم بها يجب أن تصور وتعرض على الناس ليروا ما نحن علية! ليروا البيت الفخم والسيارة الفارهة والموائد الكبيرة ... الخ وليشاهد كل الناس صورة خاصة مع الزوجة والأسرة والأولاد، أو زيارة لقبر، أو عيادة مريض في مستشفى، أو جلسة خاصة، أو فطور صباحي... الخ.
اختلطت علينا النوايا، فبات بعضنا يشارك في نشاط ما، وتركيزه منصبّ على التقاط صورة له في هذا النشاط. إذا التقى شخصاً استثنائياً (داعية أو شخصية عامة...) جلّ همّه أن يتصور معه، لا أن يستفيد من لقائه بتوجيه أو نصيحة.
عظمة بعض الأعمال أن تكون خاصة، وميزة بعض التضحيات أن تظل بين جنبينا، لا يعلم بها إلا الله، من الجميل أن يكون لنا عالم خاص، وذكريات خاصة، لا يشاركنا بها إلا المشارك في المناسبة. بدأنا اليوم نستشعر غياب قيم ومعانٍ تربينا عليها،
إن ثقافة الاستعراض تساهم في إنتاج جيل يهتم بالمظاهر على حساب المضمون، لأن همه الأساسي الصورة والخبر. وثقافة الاستعراض تساهم في صياغة شخصية مادية، لا تروق لها التضحية لغياب المكسب معها. مع أهمية الصورة، لكننا نخشى أن ننشغل بالاستعراض، وغيرنا منهمك بالبناء والعطاء