وعد بلفور
النائب الدكتور مصطفى العساف
09-11-2017 09:46 PM
تاريخيا المسألة الشرقية تعني نظرة الدول الأوروبية الى أملاك الدولة العثمانية (
الرجل المريض) و التصرف فيها.
بمعنى ان الهدف الاستعماري اصبح حالة اوروبية عامة، و عليه فان التوجه
السياسي الامبريالي الغربي اخذت وسائله و غايته كافة تسير نحو الاحتلال و
الظلم و قهر الشعوب و السيطرة على أراضيها و أوطانها.
و من وسط هذه القناعة و الثقافة الاستعمارية جاء وعد بلفور و الذي في الحقيقة
ما هو الا واحد من المؤامرات الكبرى التي تمت صياغاتها ضد العرب و المسلمين .
و هنا علينا ان نعرف ان مثل هذه المؤامرات خصوصا في تلك المرحلة التاريخية
انما كانت تعبر عن الارادة السياسية الغربية العامة.
وعد بلفور هو شاهد من شواهد التاريخ على قدرة العصابات الصهيونية على
الابتزاز المرتكز على النفس الطويل للوصول الى غايتهم و اهدافهم، فمما لا شك
فيه ان الحركة الصهيونية بذلت الجهود الكبيرة و صبرت الازمنة الطويلة للوصول
لمثل هذا الوعد فهم اصحاب نفس طويل و دهاء خبيث يراكمون الاعمال و النتائج
بعضها فوق بعض و لا يشترطون الوصول للهدف من المرة الاولى بالضربة
القاضية، و ان فشلو مرة فإنما يعاودون مرات ، هذا هو طبعهم و ديدنهم.
وعد بلفور شاهد من شواهد التاريخ على ان الحضارة الغربية حضارة قامت على
المادة و التسلط و هي بالتالي غير اخلاقية فاين المبادئ و القيم و الاخلاق و
الحقوق التي يصدعون بها الرؤوس ليل نهار، وعد بلفور كان الدعامة الرئيسة لقتل
و تهجير الشعب الفلسطيني الذي قدم الكثير و ضحى التضحيات الجسام و ما زال
من جراء هذا الوعد الظالم.
وعد بلفور شاهد من شواهد التاريخ على ان الامم و الشعوب حينما تكون
عاجزة عليها ان تنتظر الفشل فلولا حالة العجز الكبير و السوس الذي نخر في
الجسم العربي و الاسلامي و الخور و الضعف و التخلف و تصدع اركان البنيان لما
استطاع بلفور و امثاله ان يعطوا كلمة و ليس وعدا، اذن القابلية التي عندنا لهذه
الوعود هي التي فتحت لهم الشهية الاستعمارية و فتحت لهذا الوعد الابواب كي
يأخذ مداه الواسع في المجالات كافة.
وعد بلفور شاهد من شواهد التاريخ على ان فلسطين بقدسها و مقدساتها
ماضيها و حاضرها و تاريخيها و مستقبلها انما هي المقياس و الميزان لحرارة الامة
فان كانت فلسطين معنا فهي الشاهد على ان مبادئ الامة و ثوابتها (ايمانها، دينها،
عقيدتها، وحدتها و نهضتها) بخير و ان كانت غير ذلك فهي غير ذلك.
وعد بلفور عنوان كبير للمصيبة التي حلت بفلسطين و العرب و المسلمين، لكن
المصيبة الاكبر اننا بعد مرور قرن من الزمان ازدادت مصائبنا و جراحنا ولم نتعلم
بعد، بل على العكس تماما تكرست فينا التاءات الثلاث: التبعية و التخلف و
التجزئة، ولولا ذلك لما كان لبريطانيا ان تحتفل بذكرى وعد بلفور بإصرار و تأكيد
على التمادي بمساندة الظلم و القهر و الاحتلال.
لكن رغم بلفور و غيره فإننا على امل قريب و قريب جدا ان شاء الله بالنصر و
التحرير، هذا الامل المرتكز على الكثير من الدوافع و الايجابيات فمن رحم المعاناة
يأتي الفرج ان شاء الله تعالى.