لاتوجد ارقام دقيقة حول حجم الفساد في العالم العربي، خلال العقود الفائتة، لكن بالتأكيد ان العالم العربي، هو المنطقة الاكثر فسادا، في هذا العالم، ونتفوق على غيرنا من الامم.
هذا يأتي في منطقة غنية جدا، بالثروات والموارد، سواء في المشرق العربي، او المغربي العربي، وهي ثروات لاتقف عند حدود النفط والغاز، بل تشمل ثروات مختلفة، من المياه مرورا ببقية الموارد الطبيعية والمعادن، وصولا الى مقدرات السياحة والطبيعة، وغير ذلك؟!.
تبددت ثروات هذه المنطقة، عبر ثلاث طرق، اولها الحروب داخل هذه الدول، جراء الصراعات والانقلابات، وثانيها الفساد الذي بقي اغلبه محميا ومستترا، ثم سوء ادارة الموارد، ومجموع المبالغ التي يمكن تقديرها هنا، تبدو فلكية جدا، وتقدر بالتريليونات.
الفقر الذي نراه في العالم العربي، ليس دليلا ابدا على ان الفقر ظاهرة طبيعية، بل هو نتاج الظواهر الثلاث السابقة، ومايمكن ان يقال اليوم بصراحة، ان اغلب الشعوب العربية، قبلت هذه الظواهر الثلاث، ولم تعبر بأي طريقة مقنعة، او مؤثرة، عن رغبتها بمحاربة الفساد، بل ان فساد الكبار، امتد الى الصغار، واغلب المواطنين العرب، يؤمنون بكون الفساد الصغير لايضر، من تقديم الرشى الصغيرة، لتمرير معاملة، وغير ذلك من ممارسات يمكن رصدها في دول عربية كبيرة.
الارجح اننا حتى بعيدا عن مايمثله الدين، لم ننجح حتى في بناء دول عصرية، تحمل قيم محاربة الفساد، والشفافية، وامامنا نماذج لشعوب وامم، لاتواصل مثلنا اطالة اللسان على بقية الامم، ولا الادعاء بكونها الاطهر والانظف، لكن هذه الامم تصون المال العام، وتعاقب وزيرا من اجل هدية حصل عليها بمئة دولار ولم يقم بالابلاغ عنها، وهذه الامم لم تضع الوقت في التنظير، ولا في البحث عن اسس تاريخية لحماية المال العام، بل صنعت ثقافة شعبية ووضعت ضمانات قانونية، تمنع ممارسة الفساد فعليا، ولاحديث عند هذه الامم، عن الفقر اصلا، وطرق معالجته، لان كل النظم القانونية والاجتماعية، لاتسمح بوجود فقير اصلا، ولنذهب الى دول مثل اليابان والدانمارك والسويد وغيرها، ادلة على ذلك.
نحن اذا، لانتطابق مع زعمنا اننا «الاطهر» بين الامم، وفي الوقت ذاته، لانتطابق مع اي نموذج حالي، لدول لاتتعرقل باستدعاء التاريخ من اجل وضع اسس للمستقبل، بل ان كل قصة صون المال العام، تتلخص ببضع كلمات فقط» هذا المال من حق الناس» وليس من حق اللصوص.
في كل الثقافات العربية، هناك مصطلحات تعبر عن شرعنة الفساد، حتى على المستوى الشعبي، فالفاسد الصغير او الكبير، يتم تبرير فعلته ومنحه عدة القاب..»شاطر» او «فهلوي» او « بلعبها صح» او «صحة على قلبو» او «الكل بسرق مش واقفة عليه» وغير ذلك من مصطلحات.
مايراد قوله ان الانسان العربي، ربما ضحية، لكن بالتأكيد ضحية نفسه، وضحية غيره في الوقت ذاته، والاتكاء الى فكرة «المظلومية» وان العربي منهوب من حكوماته، اتكاء غير عادل، لان العربي، ايضا شريك في هذا الوضع، فهو الذي يتبع فاسدين، ويمنحهم هالة التقدير، بل ويدافع عنهم، اذا تمت محاسبتهم، دون ان يخجل ابدا، انه يدافع عن سارقيه وجلاديه، ويدافع عن جوعه بطريقه غير عادية.
لاجل كل ماسبق، لابد ان نصحو معا، وان نجعل الحرب على الفساد، مهمة كبيرة، تبدأ بصناعة اجيال تؤمن ان المال العام، حرام، وان يحصل الكل على فرص عادلة في حياتهم، حتى لايجنحوا الى تبريرات تسمح لهم ممارسة الفساد، وان لايبقى الدين، مجرد وسيلة استذكار انتقائية، من حيث قيمه، فنتذكره عند عقد القران، والحاجة الى مأذون شرعي، وننساه، عند اول عمولة على مشروع كبير او صغير، وان نتعلم من امم اخرى، ماجعل قيمة الانسان، فوق كل قيمة، بما يعنيه ذلك من صون حقوقه.
الدستور