الفضاءات الجديدة .. وقصائد الهجاء!
د.نبيل الشريف
08-11-2017 12:20 AM
ينظر كثيرون إلى وسائل التواصل الإجتماعي نظرة شك وريبة، وترى قطاعات واسعة أنها فضاءات لبث الفوضى وغرس روح الإحباط في المجتمع لكثرة تركيز روادها على السلبيات وإنفلات النقد فيها من كل عقال.
في المقابل، أعلنت وزارة الشؤون الدينية في تونس أنها كلفت عددا كبيرا من علماء الدين لمخاطبة الشباب عبر وسائل التواصل الإجتماعي والإجابة على استفساراتهم والحيلولة بينهم وبين الوقوع فريسة للتيارات المتطرفة المنتشرة بكثرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
إن القضية في واقع الأمر لا تتعلق برأي هذا الطرف أو ذاك في وسائل التواصل الإجتماعي إذ أن الأهم هو إدراك أن هذه الوسائل تمثل فضاءات قوية ومؤثرة في أوساط الشباب، وأن قصائد الهجاء التي تطلق بحق هذه الوسائل لاتغير من الأمر شيئا، فهناك مايقرب من 5 ملايين صفحة لمواطنين أردنيين على ( فيسبوك) وحده وأن هناك 8.684 مليون مستخدم للإنترنت في البلاد وبنسبة انتشار تصل إلى 87%.
وبمعنى آخر، فإننا نملك الخيار للتعامل مع هذا الواقع إما بالذهاب إلى حيث « تزاحم الأقدام» في وسائل التواصل الإجتماعي أو بإغماض أعيننا وكأن الأمور ماتزال « قمرة وربيع» وأن شيئا لم يتغير منذ ستينيات القرن الماضي وأن كل الأمور تحت السيطرة.
والمفارقة هي أن المنظمات الإرهابية قد تفوقت على الحكومات في استعمالها الخبيث لهذه الوسائل، وقيامها ببث أفكارها الهدامة عبرها ونشر رسائلها التدميرية من خلالها. كما تمكنت هذه المنظمات من إستقطاب مئات الآلاف من الشباب من كل أقطار الدنيا عن طريق وسائل التواصل ألإجتماعي. وقد وقع بعض شباب جامعاتنا ضحايا لهذه الأفخاخ الإلكترونية المنصوبة لهم بعناية فائقة.
إن استمرار تجاهل هذه الوسائل من قبل الحكومات لن يقلل من أثرها السلبي وخطرها الشديد على الشباب تحديدا، والمنطق يقول إن الحكومات – من الناحية النظرية على الأقل- أقدر على تسخير كل إمكاناتها لمحاورة الشاب عبر وسائل التواصل الإجتماعي واستثمار هذه الفضاءات المؤثرة للخير عوضا عن تركها نهبا للقوى الظلامية التي تفتك بالقوى الفتية في المجتمع..
إن استمرار هذه النظرة الدونية لوسائل التواصل الإجتماعي لن يحد من أثرها وانتشارها وفاعليتها، بل إن من يتجاهلها هو الخاسر، ولن ينتقص من قدرة هذه الوسائل أن هذا المسؤول أو ذاك يترفع عن التعامل معها ولا يقيم لها وزنا، إذ تبقى حقيقة أن معظم الشباب يشكلون رؤيتهم ورأيهم عن العالم من خلال هذه الوسائل.
وأحسب أن المسؤول الذي يتجاهل دور وأثر هذه الوسائل يشبه تماما ذلك المريض الذي تصله رسائل تحذيرية تتعلق بواقعه الصحي ولكنه يصر على تبسيط الامر وتجاهل هذه التحذيرات إلى أن يتفشى مرضه ويندم حين لاينفع الندم.
ومن العجائب التي لا أجد لها تفسيرا أن عددا كبيرا من مؤسساتنا ماتزال «تترفع» عن إيجاد صفحات لها على وسائل التواصل الإجتماعي مع أنها من أنجع الأدوات للتواصل مع المواطن (متلقي الخدمة) والإستماع إلى آرائه ومعرفة تقييمه الحقيقي لأداء هذه المؤسسات.
صحيح أن فضاء التواصل الإجتماعي لايخلو من بعض العابثين الذين قد يوجهون إساءات لهذه المؤسسات والقائمين عليها أو حتى يطلقون عبارات غير لائقة، ولكن القانون موجود لملاحقة هؤلاء، كما أن إطلاق هذه الصفحات يجب أن يكون مقنرنا بإيجاد فريق نشط يعمل على مدار الساعة لمتابعة كل ماينشر عليها. اما القول إن الخوف من التجاوزات هو السبب لعدم وجود صفحات للمؤسسات على(فيسبوك) وغيره فهو يشبه من يتوقف عن تناول الطعام خوفا من الإختناق!
أخلص إلى القول إن من مصلحة كل المؤسسات أن تكون موجودة بقوة على وسائل التواصل الإجتماعي وليس من الحكمة أن نترك شبابنا نهبا للإشاعات أو إلى المنظمات المتطرفة المنتشرة بكثرة على هذه الصفحات.
إننا نعيش واقعا إعلاميا جديدا لايمكن مواجهته بقصائد الهجاء التي تطلق بحق وسائل التواصل الإجتماعي، بل علينا أن نطور أدواتنا – كما فعل الأئمة في تونس – لنصل، سواء كنا مؤسسات أو أفرادا، إلى الشباب حيث هم، فشمس الواقع الإعلامي الجديد لاتغطى بغربال.
الراي