لا توجد منطقة في العالم تنطبق عليها معظم نظريات إدارة الأزمات مثل منطقة الشرق الأوسط، التي ارتبط تعبير الأزمة بها منذ عدة عقود «أزمة الشرق الأوسط» وهي مجموعة من الأزمات المتداخلة والمتعاقبة التي أدت إلى زعزعة الاستقرار، وأربكت الدول والشعوب، وأنتجت كوارث إنسانية واقتصادية واجتماعية وأمنية، وما زالت تتفاعل وسط حالة من الضبابية والغموض.
وما أكثر الأسئلة التي تبحث عن أجوبة شافية لمعرفة ما إذا كانت المنطقة تواجه أزمة نابعة من داخلها، لكي نعرف نوع السياسات اللازمة لإدارتها، أم أنها ضحية أزمات مخططة ومبرمجة تحقق القوى الدولية من خلالها مصالحها الإستراتيجية، وفق معادلة الاستحواذ على النفط، والاستثمارات الكبرى، والسيطرة على القوى الناشئة، والتفوق على القوى المنافسة مثل روسيا والصين، وهي بالتالي تخلقها وتديرها في آن معا!
إدارة الأزمات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو مالية أو عسكرية أو طبيعية، تفرض على الدول فهمها أولا، ومن ثم تقدير مدى خطورتها وتأثيرها على مصالحها العليا، وعلى أمنها واستقرارها ونموها وتقدمها ، فتعمل على رسم خطتها لمواجهة تلك الأزمة، عبر ثلاث ممارسات متتالية ومتداخلة هي التفكير الإستراتيجي، والتخطيط الإستراتيجي، والإدارة الإستراتيجية.
والغريب أنه في حالة هذه المنطقة نجد جميع المصطلحات ذات العلاقة بالأزمة حاضرة على شكل حوادث ومشاكل وصراعات وكوارث، تزيد من تفاقم الأزمة، ومن تعقيداتها، بحيث أصبحت المنطقة أشبه بمريض تفصل بين تدهور حالته الصحية، وبين تماثله للشفاء لحظات قليلة، ولعلي أشير هنا إلى الآمال المعقودة مثلا على تفاهم أميركي روسي لحل بعض أزمات المنطقة، بينما تنقل لنا الأخبار أن الرئيس الروسي بوتن أطلق بنفسه أربعة صواريخ إستراتيجية، من بين مجموعة الصواريخ التي أطلقت في مناورة عسكرية!
قد لا يشكل ذلك تعقيدا لأزمات المنطقة ، ولكنه مؤشر على طبيعة العلاقات الدولية المرشحة لأزمات عالمية ، حيث يحتد التنافس من أجل تحقيق التوازن بين القوى والأقطاب المتعددة، لإنهاء مرحلة القطب الواحد!
نحن إذن أمام أزمة أو مجموعة أزمات لها أسبابها وخصائصها، ولا يمكن مواجهتها أو التقليل من مخاطرها، من دون إستراتيجيات وقائية أو علاجية، لها شروطها وعناصرها العلمية والعملية، التي يعرفها المفكرون الإستراتيجيون، لتتحول إلى خيار ومن ثم إلى قرار إستراتيجي ، يفضي إلى خطة يتم تنفيذها عن طريق المجموعة التي تدير الأزمة.
من وجهة نظري نحن في الأردن نواجه حقيقة أننا ننتمي إلى منطقة مكتظة بالأزمات فرضت علينا التعامل من خلال إستراتيجية وقائية ، أساسها حماية حدودنا المشتركة مع العراق وسوريا ، وحماية أمننا الداخلي من الإرهاب ، ولأن تلك الأزمات قد أثرت على واقعنا الاقتصادي والاجتماعي ، نتيجة التكلفة الباهظة للإستراتيجية العسكرية الأمنية ، وتبعات اللجوء السوري ، فإننا بحاجة إلى إستراتيجية علاجية من أجل معالجة الأضرار والخسائر التي لحقت بنا نتيجة الواقع الإقليمي ، بسبب تعطل التجارة مع دول الجوار ، وتراجع المعونات ، وغيرها من العوامل التي أعاقت مشاريع التنمية وأبطأت عجلة الاقتصاد الوطني.
والسؤال الآن، ومن منظور علمي وعملي، ما هو نوع الإستراتيجية التي يحتاجها الأردن كي يتغلب على واقعه الراهن؟ وللحديث بقية.
الراي