الفساد .. الكتابة في الظل
د.طلال طلب الشرفات
08-11-2017 12:48 AM
لم تعد مكافحة الفساد ترفاً سياسياً او ردود فعل لمقارعة الخصوم او جماعات الضغط بل اضحت ضرورة لفلسفة الادارة والحكم الرشيد ، واذا كان الفساد معول هدم لأركان الدولة ووجودها فإن مكافحته قد اصبحت سبيلاً للدول الغنية قبل الفقيرة من اجل استعادة ثقة الناس وبناء ركائز الوطنية الحقة على اسس معقولة ومقبولة ، فالدولة التي تتبنى سياسة جادة في مكافحة الفساد رهبة هي دولة مرتبكة وفاقدة لهيبتها وقدرتها على بناء منظومة تنموية جادة ، اما تلك التي تتبنى النزاهة ومكافحة الفساد رغبة فتلك دول تحترم قناعات شعبها وتؤمن بأن سيادة القانون متطلب حياة .
شئنا ام ابينا علينا ان نعترف بحقائق موجعة اولها ان مكافحة الفساد قد شهدت تراجعاً مريعاً بعد الربيع العربي ، وأن المسافة بين الخطاب المعلن والواقع المؤلم مسافة شاسعة لا تراها الحكومة الا بعين الصلف والاستكبار ، ولا تسمع رأياً الا لغايات الارضاء والاقصاء ، علينا ان نعترف ان الفساد ينخر اشلاء الحكومة ووزاراتها ودوائرها ، وأن معايير النزاهة قصائد شعر تقرأ في اليوم العالمي لمكافحة الفساد وفي مناسبات اعداد الاستراتيجيات وتسليم التقارير ، علينا ان نعترف ان الرشوة واستثمار الوظيفة واساءة استعمال السلطة تنخر اركان الدولة وتقتات على عجزها.
علينا ان نعترف ان الاعلام الرسمي والاهلي فشل في طرق قضايا الفساد والسبب في ذلك غياب حق المعلومة وتراخي البحث عنها ، وعدم وجود تشريعات تحمي الصحافة والاعلام وغياب المهنية والتأهيل وشيوع الرشاوى والابتزاز في الممارسة الاعلامية ، وضعف اداء مجلس النواب في المجال الرقابي واحتكار الحقيقة من الاعلام الرسمي .
علينا ان نعترف بألم ان المؤسسات الرقابية تحتاج الى من يراقبها ويحوكم اداءها ، وأن يعاد لها هيبتها في الاداء وحصانتها واستقلالها في الممارسة ، فتباً لأي مؤسسة عاجزة متهالكة مرتبكة تدور بين الخوف والنفاق ويكون شعارها أن انج سعد فقد هلك سعيد ، وعلينا ان نعترف اكثر ان الله ابتلانا بحكومة ليس لها من اسمها نصيب ، ففضلاً عن عجزها وضعفها فقد مارست سياسة الاخصاء والاقصاء ، فتهالكت واهلكت وضاعت المؤسسية وصادرت سيادة القانون بشبقها السياسي حتى غدا البدوي في الفيافي يدعوا الله " اللهم لا نسألك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه ".
مكافحة الفساد تحتاج الى ارادة سياسية حقيقية وفريق شجاع حازم متجانس وهدم الحصانة الزائفة للمسؤول امام سيادة القانون ، فريق وطني صادق يبدأ بمحاسبة رئيس الحكومة ووزراءه ليكونوا عبرة لغيرهم بالسطو على سيادة القانون ، فريق يفكفك شللية الفساد واعوانهم ويحيلهم لقضاء مستقل فعندما يتعلق الامر بالوطن فالخيانة والخطأ سيان .
لنستفد من تجارب غيرنا في استعادة الذات وثقة الاوطان بنا ، دعونا نعيد لهذا الوطن الجميل بريقه المر ولهذا الشعب الوفي طريقه الحر وعلى هذه الارض العزيزة دائماً ما يستحق الحياة.