نحن بشكل عام شعب متعلم لكننا لسنا شعبا مثقفا؛ فمن هو المتعلم ومن هو المثقف؟ وما الفرق بينهما؟
المثقف هو الذي يحاول أن يعرف كل شيء ليعذر كل فرد في وجهة نظره حول أي موضوع يطرح للنقاش، أما المتعلم فهو الذي حتى لو عرف كل شيء فلن يعذر أي فرد لاختلافه عنه في الرأي أو القول في هذا الشأن أو ذاك.
والمفكر المثقف هو الذي يتحفظ على كل الحقائق التي يتلقاها في حياته ويشكك بكل منها لا بل قد يتعوذ بالله من شر الحقيقة، أما المفكر المتعلم فهو الذي يتعصب إلى الحقيقة التي ينتمي إليها ويشكر الله على أنه أنعم عليه وحده دون بقية البشر بالحقيقة، ويناضل في سبيلها بكل ما تيسر لديه من حلاوة اللسان ودلاقة البيان.
والفيلسوف المثقف هو الذي ينظر إلى الحقيقة بأنها موضوعية وذاتية في آن واحد، أما الفيلسوف المتعلم فهو إما أنه يراها موضوعية أو أنه يراها ذاتية.
وإذا اكتشف العلم الحديث بأن الحقيقة والوهم وجهان لشيء واحد فإن الفيلسوف المثقف يتخلى عن نظرته إلى الحقيقة بأنها موضوعية وذاتية في آن واحد، ويتقبل بكل بشاشة وجه وصدر رحب أن الحقيقة والوهم ظل وفيئ لشيء واحد، أما الفيلسوف المتعلم فهو الذي سوف يهرول إلى المنطق الأرسطو طاليسي ليغرف منه الأدلة العقلية والنقلية التي تثبت بأن الحقيقة والوهم ليستا وجهين لعملة واحدة.
ورجل الدين المثقف هو الذي ينظر إلى كتاب دينه بجميع أوجهه ومختلف زواياه؛ فيذهب بجميع مذاهب دينه ويتشيع بمختلف شيعه وفرقه. أما رجل الدين المتعلم فهو الذي لا ينظر إلى كتاب دينه إلا من خلال الوجه الذي يبتسم لمذهبه أو فرقته. وفي هذا السياق أستذكر الإمام علي إبن أبي طالب كرم الله وجهه كما يقول السنة وعليه السلام كما يقول الشيعة إذ قال: "القرآن حمال أوجه"، وقس على ذلك بالمثل بالنسبة للكتاب المقدس.
والمتدين المثقف هو الذي لا فرق لديه إذا صلى في مسجد أو كنيسة أو معبد للنار كما قال المتصوف العربي الاسلامي الشهير محيي الدين بن عربي: "لا فرق لدي ان صليت في مسجد أو كنيسة أو معبد للنار"، أما المتدين المتعلم فهو الذي يحرص على حركات جسده أثناء الصلاة أكثر من خلجات قلبه.
والسياسي المثقف هو الذي ينظر إلى الواقع ويتعامل معه كما هو عليه بغض النظر عن الأيديولوجية التي يعتقد بشعاراتها الطنانة؛ أما السياسي المتعلم فهو الذي ينظر إلى الواقع كما يجب أن يكون عليه في إطار الأيديولوجية التي يتغنى بشعاراتها الرنانة.
والعالم المثقف هو الذي يعتقد بإمكانية انتقال الانسان يوما ما عبر الزمن أما العالم المتعلم فهو الذي لا يتقبل الفكرة هذه بحد ذاتها إطلاقا.
والفنان المثقف هو الذي يرى قوس قزح جميلا بكل ألوانه، أما الفنان المتعلم فهو الذي يرى قوس قزح حسنا لأن اللون الأحمر –مثلا لا حصرا- أحد ألوانه، ولو لم يكن اللون الأحمر موجودا فيه لما كان حسنا في نظره!
والرياضي المثقف هو الذي يصفق لبرشلونة إذا تفوق على ريال مدريد رغم أنه من أنصار الفريق الملكي، أما الرياضي المتعلم فهو الذي لا يرى الابداع في التراقص بالكرة الا في الفريق الذي يشجعه ويؤازره حتى لو خسر برباعية نظيفة!
والمواطن المتعلم هو الذي يرمي علبة السجائر -مثلا لا حصرا- في الشارع لأنه متعلم أن هناك عامل نظافة سوف ينظف له الشارع، أما المواطن المثقف فهو الذي يحرص كل الحرص على رمي علبة السجائر في أقرب سلة مهملات يصادفها لأن ثقافته ترى أن الحضارة تبدأ من النظافة العامة.