مجلس النواب .. الرحيل الى الدوار الرابع
د. نضال القطامين
05-11-2017 05:41 PM
في غمرة القضايا الوطنية التي تشعل مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت بالمناسبة منبرا للشارع وأداة قياس للرأي العام، لا أحد يذكر مجلس النواب لا غزلا ولا نقدا ولا حتى محايدا، في الوقت الذي يفترض في هذا المجلس أن يكون رأس الحربة وفي طليعة المتصدين لهذه النقاشات بصفته الافتراضية كممثل للشعب وناطق باسمه.
والحقيقة أن الحديث عن هذا الغياب المبرر دستوريا بعدم انعقاد المجلس ليس غمزا من قناة أحد، لكنه بحثٌ مهم وضروري عن أدوار البرلمان الفاعلة بصفته أحد الركابين وكفة التوازن مقابل واجبات السلطة التنفيذية.
يجد المراقب لأدوات السياسة الخارجية في الدول المتقدمة، أن المجالس التشريعية تنهض بدور فاعل في رسم هذه السياسة أو في تنفيذها على حد سواء، جنبا الى جنب مع قيامها بالأدوار التقليدية المتعلقة بمراقبة عمل الحكومة وسن القوانين وغيرها، وهي لاعب أساسي في هذه الدول ولها سلطة فاعلة في الشأن المحلي والخارجي.
وفضلا عن قيام هذه المجالس بهذه الأدوار المهمة، فإنها بمثابة مطبخ السلطة التنفيذية وأساسها، ومن غرفها تتشكل الحكومات وتؤدي برامجها التي انتخبها الناس من أجلها، فيما تتشكل فيها كذلك حكومات الظل التي تنهض بواجب المراقبة والمساءلة للحكومة الفعلية.
في الأردن، يسعى جلالة الملك لمجالس نواب تفضي وفق برامج مرشحيها لحكومات برلمانية، ولطالما قدّم جلالته في أوراقه النقاشية رؤية ثاقبة لتحقيق ذلك، ولكن المسافة تبدو بعيدة في ظل حداثة التجربة الديمقراطية وفي ظل العزوف عن الانتماءات الحزبية التي تشكل عصب الحكومات البرلمانية وفق تجاربها العالمية.
ينبغي في هذا السياق، أن يجد المجلس طريقه بتحوّل جذري وباجتراح نموذج جديد وعصري في السياسة الأردنية، يقتضي منح البرلمان دورا أساسيا في الشأن الخارجي، ليشكل رافعة مهمة للسياسة الخارجية، تعكس خبرات أعضائه المتراكمة التي هي بالأصل إفراز شعبي، وتسند أدوار الحكومة في هذا السياق، فضلا عن أنها محاكاة تستحق الاهتمام للتجارب العالمية.
إن من أهم ما يقف عقبة في وجه تطوّر عمل المجلس هو الارتهان للعمل البرلماني المنفرد، وتفريغ الكتل الهلامية من مضمونها الرقابي والتشريعي لصالح الخطابات المنتهية بانتهاء وقتها، وعَجْز المجلس عن التأسيس لعمل برلماني يعتمد أساسا على الانطلاق من الكتل البرلمانية بصورة علمية، على أن تساند هذه الكتل خبرات أكاديمية علميه متخصصة كما هو في برلمانات الدول المتقدمة، فضلا عن رفد هذه الكتل بمستشارين وباحثين مهمتهم التأسيس بطريقة علمية لبرامج هذه الكتل التي ستفضي في مجملها لعمل سياسي برلماني متقدم، وتؤشر لمكامن الخلل في السياسة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وليس في الأمر شيء إذا ما تم التنسيق الكامل بين المجلس وبين الجامعات بصفتها موطن الخبرات العلمية وقاعدة البحث العلمي، بشكل تتكامل فيه الأدوار، ولتفتح الأبواب المغلقة أمام إبداعات الألاف من أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات وفي مؤسساتنا التعليمية، وهم العلماء وحملة الدكتوراه الذين تخرجوا من أعرق جامعات الدنيا، وبقيت خبراتهم وشهاداتهم ومستوياتهم التعليمية الراقية في حدود التدريس، دون البحث العلمي التطبيقي ودون الاستعانة بهذه الطاقات الهائلة التي يمكن لها إذا ما وضعت في موقعها الصحيح، أن تساهم في وضع حلول لكثير من القضايا المختلفة.
لقد جاءت فكرة تطبيق مفهوم اللامركزية، كتجربة حداثية تؤشر بشكل رئيسي لتفريغ مجلس النواب من بعض الأدوار في الشأن المحلي لصالح تكثيف أدواره المتعلقة بالسياسات المحلية والخارجية، ولربما جاءت جولات رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة الخارجية في تركيا وروسيا وإيران ولندن، متجانسة مع هذا التوجه، ولربما كانت أيضا إشارات بتغيير جذري للأدوار التقليدية لمجلس النواب .
هل يمكن تفسير الأدوار الإيجابية للبرلمان بأن نكهته ستكون جزءاً من الحكومات القادمة؟ ربما، وربما تستدعي ذلك الأوضاع المضطربة في المحيط، التي تستدعي كذلك توحيد جهود السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإسناد أدوار أخرى للسلطة التشريعية، ولربما جاءت تصريحات جلالة الملك الأخيرة بأن على الجميع أن يدرك الآن بأنه لا احد سيقدم المساعدة لنا وعلينا الاعتماد على انفسنا اولا واخيرا، في هذا السياق، وفي ذلك قراءة مستشرفة لأوضاع الإقليم المضطربة.
حكومة ذات نكهة برلمانية، ممكن أن تكون كذلك، وبينما لم تصل الأحزاب إلى مستوى يؤهلها لتشكيل الحكومة البرلمانية وفق الديمقراطيات العالمية، فإن من الواضح أن الاستعانة بمجلس النواب سواء بقيامه بمساعدة السلطة التنفيذية، أو التوسع بأدواره الى أبعد من ذلك، قد يكون المحطة التالية في السياسة الأردنية.