السعودية تدشن عهد المحاسبة والمسؤولية
علي السنيد
05-11-2017 02:14 PM
اظن اننا يجب ان نشعر بالخجل من انفسنا ومن تجربتنا في الحكم، ونحن نتابع باندهاش بالغ التطورات غير المسبوقة التي تحدثها المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الفساد، وكيف طالت الحملة الملكية الشعواء الامراء والوزراء، وفي مدى ليلة واحدة اطيح برؤوس كبيرة، وتم الحجز والتوقيف، والمنع من السفر لأسماء كانت في دائرة الضوء، ودب الرعب والهلع في الاوساط السياسية في المنطقة برمتها مخافة ان تدشن المملكة العربية السعودية عهدا جديدا من المحاسبة والمسؤولية، وان تخضع عملية الحكم المنفلتة من عقالها الى دائرة المحاسبة، والتدقيق فلا ينجو احد مهما بلغ منصبه اذا كان متورطا في قضايا الفساد.
وهكذا رفعت السعودية الغطاء والحصانة عن دائرة الحكم، ونحن في الاردن ظللنا نراوغ ونسوف ونقتل الوقت ، ورغم المطالبات الشعبية المتواصلة لعقود خلت بتنقية العملية السياسية من الفاسدين فقد انتهينا الى تحصين الفساد، وتشريع القوانين التي تجرم من يتجرأ بالحديث عن الفاسدين، ويتناول ذممهم المحصنة.
وواضح مدى قدرة الارادة السياسية التي اذا توافرت على احداث التغيير، وضرورة ان تقود حملة تطهير المؤسسات والادارات في الدولة المستويات السياسية العليا، وان تكون الجدية هي الدافع لحماية العملية السياسية من استشراء الفساد واضراره الفتاكة، والتي تنخر بالدول، وتدمر سمعتها الوطنية، وتبطئ حركة وحيوية جهازها السياسي، وتفقد شعبها ثقته بالمؤسسات والقانون، وتؤدي الى تراجع الخدمات العامة المقدمة فيها، وضياع واستباحة المال العام، وتسويد سمعة الدولة ونظامها العام.
ولا شك ان الدول عندما تقاد من قبل الأكفاء والامناء واصحاب المبادرات ومن يملكون الجدارة والاقتدار، ويكون الحريصون على المال العام وسمعة المؤسسات في مقدمة الادارات عند ذلك تنهض هذه الدول، وتحقق احلامها الوطنية، وتضع امكانات المتفوقين من ابنائها في سبيل نهضتها ورقيها، وتنامي قدرتها على العطاء، وتحدث التنمية.
اما عندما تتبوأ القيادات الفاشلة وغير الامينة على مستقبل شعبها مواقع السلطة والمسؤولية، وتصل للمقدمة بدون معيار الكفاءة ، وتعمل على وضع معايير الانتهازية والوصولية والنفاق لتولي المناصب العامة، وتسود الواسطة والمحسوبية الحقل العام- وهي التي تفرض التفريق بين المواطن والمواطن، وتضرب مفهوم العدالة في الوطن- وتتحول الدولة الى مرتع للشلل، والمارقين، وتوظف السلطة في الصالح الخاص تصبح الدولة اداه للإثراء غير المشروع، وتتحول الحقوق العامة التي تخص ملايين الناس الى العوبة بيد الادارات غير الامينة على مواطنيها.
والى ذلك فتتراجع العملية السياسية، وتتلاشى المشاعر الوطنية، وتتكون طبقة من اصحاب المصالح، واثرياء المال الحرام، وتهدف الى الحفاظ على آليات الحكم دون تغيير، وتظل تنهش بالوطن وشعبه الى ان تترك البلاد قاعا صفصفا، وتخفض مستوى معيشة المواطن، وتمنعه من الوصول لإرادته الحرة، وتحرره الوطني. وتفضي الى الانسداد السياسي ومؤداه وقوع الانفجارات والاضطرابات لإعادة الحقوق العامة المنهوبة لأصحابها، وعزل لصوص الاوطان عن تولي مواقع السلطة والنفوذ، وبذلك يحدث التغيير القسري.