الأردن وملف اللاجئين السوريين
د.حسام العتوم
05-11-2017 11:33 AM
من أهم النتائج السلبية للربيع العربي بعد القفز عليه وتغيير مساره الأخضر وإدخال الإرهاب الأسود المجرم إلى وسطه (من داعش ونصرة)، وإنجاح التصادم بين المعارضة والسلطة في دمشق بعد تسلحها في المقابل، وبجهد مباشر من الأجهزة اللوجستية المختلفة الإقليمية والدولية هو ظهور ملف اللاجئين السوريين بعد هروبهم من النار صوب أقرب المناطق الآمنة المجاورة مثل الأردن، وهو الملف الذي تفوّق في وقتنا المعاصر على مثيله العراقي والليبي واليمني، وشكل لنا هاجساً وطنياً أردنياً، من حيث إدامة التوطين، والانتقال من العيش إلى التعايش، والاندماج على حساب إمكانات خزينة الدولة والبنية التحتية، وحتى لا نذهب بعيداً ثمة فرق بين احتضان الأخوة والأشقاء السوريين وبين المقدرة على استضافتهم لفترة زمنية طويلة وأطول في بلد يعاني من شح الإمكانات مثل الأردن.
ولعل أكبر هجرة تستقبلها الأرض الأردنية حتى الآن هي السورية بعد الفلسطينية وتليها العراقية ومن ثم الليبية واليمنية واللبنانية وغيرها، ولم يشهد تاريخ المنطقة الشرق أوسطية ولا العالم أن تغذت هجرة من خزينة الدولة كما يشهده الأردن اليوم في زمن عزف به المجتمع الدولي عن الوقوف بجانب اللاجئين في بلدنا وفقاً لأحكام وقواعد القانون الدولي ومنه الإنساني وتحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وانشغلت كبريات دول العالم في تصنيع الأزمات وفتح الأسواق لبيع السلاح وتصنيعه بدلاً من الانصياع للمشاريع التنموية التي تستهدف الإنسان اللاجئ، والفقير، واليتيم، والمعاق، والأمي، ولدعم بنيته التحتية المحتاجة للمدارس، والغذاء، والكهرباء، وللماء، ولكل ما تحتاجه حياته الإنسانية، ونلاحظ ذات الوقت كيف أن الدول المانحة تتحرك وفق شروط تناسب سياساتها وأهدافها ومصالحها قبل سياسة وهدف ومصلحة الدولة الممنوحة والله من وراء القصد.
ولقد قال جلالة الملك عبدالله الثاني بتاريخ 11 تشرين أول 2017، بأن كرم الأردنيين مع اللاجئين معروف، فنحو (25) بالمئة من الموازنة العامة تذهب للاجئين، ولكن إلى متى؟ وهنا نتفهم هاجس جلالته الذي ينسجم مع الهاجس الأردني الحكومي الشعبي، ولدينا قناعة أكيدة في ذات الوقت بأن كل لاجئ سوري وغيره هو أخ لنا. وتحدث جلالة الملك وقتها عن أهمية اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا الذي جاء نتيجة لجهد أردني جمع القوى العظمى على الطاولة الأردنية في عمان.
وتابعت باهتمام كبير كلمة ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني في نيويورك خلال اجتماعات الدورة الثانية والسبعين للأمم المتحدة، مندوباً عن جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث قال سموه وتناقلته وسائل الإعلام والاتصال الدولية: (لست أدري إن كانت هناك دولة أخرى في التاريخ الحديث قد تعرضت لمثل هذا الكم الهائل من الأزمات المتتالية، ووجدت نفسها محاطة بعدد كبير من الصراعات التي لم يكن لها يد فيها. ولا تتوقف الأزمات عند هذا الحد، فبلدي الأردن الفقير بالموارد، وسط إقليم يعج بالأزمات، يستضيف (1,3) مليون لاجئ سوري بالإضافة إلى ملايين اللاجئين الفلسطينيين ومئات الآلاف من العراقيين، وآخرين من ليبيا واليمن، واستمر سموه في القول بأن الكلفة المباشرة للأزمة السورية تستنزف أكثر من ربع موازنتنا، ويمتد أثرها إلى مجتمعاتنا المحلية، حيث يعيش تسعون بالمئة من اللاجئين السوريين، وبالتالي فهناك ضغوطات متزايدة على قطاعات الإسكان، والغذاء، والطاقة، والرعاية الصحية، والتعليم، والعمل.
ولفت سموه الى أن جنودنا يواجهون الرصاص وهم يساعدون اللاجئين للعبور بأمان إلى أرضنا، وليس لردهم عنها، وهو الخطاب الذي أثمنه عالياً، وأعجبني أيضاً قول سموه (ماذا يعني لإنسانيتنا المشتركة أن العالم أنفق (1,7) تريليون دولار على الأسلحة في العام الماضي فقط، ولكنه فشل في توفير أقل من (1,7) مليار دولار استجابة لنداء الأمم المتحدة الإنمائي لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المستضيفة لهم في دول مثل الأردن). (الرأي 23 أيلول 2017، ص3).
والآن العالم العربي معني مباشرة كما أرى وكذلك الدولي بإعادة الاعتبار لوضع اللاجئ السوري بخاصة إلى جانب العربي على الأرض الأردنية بالمشاركة في الحلول السياسية الناجعة لقضايا المنطقة، وبتوجيه الدعم المالي لهم وبالاتجاه الأصح، بعد استبدال خلق الأزمات الإقليمية والدولية وتحويلها إلى تعاون وتنسيق وسلام، وبعد الشروع لتثبيت أمن العالم، والانتباه لمسألة تصاعد نسبة الأمية في بلادنا العربية إلى اكثر من (19%) وبحجم (96) مليون نسمة، منها حوالي (6%) في الأردن، وإلى أهمية تحويل عقود السلاح إلى الشروع بنزع السلاح وبخاصة الخطير منه في منطقتنا، والاكتفاء بعقود الدفاع المشترك، والذهاب إلى التنمية الشاملة عربياً وعالمياً وعلى كافة المستويات. والعالم اليوم متعدد الأقطاب ومنه العربي، ولم تعد صورة القطب الواحد الكبير الحاكم ماثلة.
الراي