من قالوا ان لكل زمان دولة ورجالا تناسوا الاقنوم الاول في هذا الثالوث، وهو المرأة، فلكل زمن نساؤه ايضا، وما كان لجداتنا ان يكن ما كنّ عليه لولا مجمل الاوضاع التي سادت في زمنهن، ومن يقارنون بهدف المفاضلة الاجتماعية والاخلاقية بين زوجاتهم وامهاتهم، يتناسون ايضا ان من حق الزوجات ان يقارنّ ويفاضلن بينهم وبين ابائهن واجدادهن، لأن مجرد الحنين الى الماضي قد يكون نوستالجيا، بحيث يصدّق البعض تقسيم هزيود الشهير للازمنة بدءا من الذهبي حتى النحاسي مرورا بالفضي، والماضي ليس فردوسا مفقودا لمجرد انه مضى، فالناس كانوا ايضا يجوعون ويتشردون ويمرضون واخرا يموتون، وقد يكون الماضي في بعض وجوهه جذر الاستبداد الذي تفاقم وتكاثر في ايامنا !
وهناك عبارة دقيقة قالها انطون المقدسي ذات يوم وهو يقارن بين العربي الان والعربي في الماضي، سواء كان البعيد او القريب، يقول المقدسي : كانت قامة العربي تعادل تماما قامته كانسان وباختصار كان كما هو وليس مُستلبا او مغتربا عن ذاته بحيث يحاكي نموذجا معينا، لأنه بهذه المحاكاة التي تصل احيانا حدّ التقريد يحاول ان يرمم النقص في قامته القومية، وقد سبقنا جميعا ابن خلدون حن توصل بتأملاته الى ان اسوأ ما يمكن ان يحدث للمهزوم هو فقدان الثقة بالنفس بحيث ينظر الى من هزمه من الادنى الى الاعلى وبالتالي يحاول تقليده لكن بلا جدوى!
ان نساء من طراز كليوباترا ونفرتيتي وشجرة الدر وبلقيس وزنوبيا والخنساء لم يتخرجن من السوربون وهارفارد وكامبريدج وسائر جامعات هذا العالم، كما ان افلاطون لم يضطر الى ان يزهو على زملائه في اثينا بالدرجة العلمية التي نالها بامتياز ومرتبة الشرف، فهو لا يحتاج الى مراجع لأنه مرجع بحد ذاته، كما ان اهم فناني عصر النهضة من عباقرة الرسم لم يكن في زمانهم معاهد او جامعات لتعليم الفن.
اخيرا عبّر عن ذلك كله الشاعر الجزائري مالك حداد حين تساءل في احدى قصائده: من اي معهد للموسقى تخرجت البلابل، وهل تطوي نوتات تحت اجنحتها؟؟.
الدستور