تشييك مزرعتكم والموسرجي والعاصمة الجديدة
د.مهند مبيضين
05-11-2017 12:32 AM
حول إربد والكرك والسلط وعجلون وجرش، يمكن أن يدور الحديث هنا فهي عواصمنا القديمة، لا عن العاصمة الجديدة، التي فاض الحديث عنها كلاماً وجدلاً، ولا سبيل كما يقول الخبراء بنشل اقتصاد متعثر إلا بتنمية حضرية كبيرة ومشاريع تأتي بالاستثمار وتخلق الفرص، وهو أمر سارت عليه كثير من الدول، والمشروع المقبل واعد إذا أدير بشكل جيد.
لكن عودة مفجعة لمدننا القديمة، السلط تأخر مشروع إدراجها على قائمة التراث العالمي في اليونسكو، وما زالت المدينة بحاجة لمزيد من الرعاية وهي حاضرة البلقاء تاريخياً، أما الكرك فقصبتها تكاد تنتهي وتخرج من التاريخ، فهي متأثرة سلباً من مشروع تطوير البلدة القديمة الذي قوض الحركة التجارية فيها وبدأت السوق فيها تشهد حالة موت بطيء، وفي عجلون ما زال الحديث عن تطوير حضري والمسجد الكبير، ولكن لا تنظيم يُسعف في جعل المدينة الأهم في السياحة البيئية الخضراء تأخذ مكانتها اللائقة والتي توازي تاريخها الثقافي الغني، وهذا امر ينطبق على جرش والبتراء وعمان القديمة.
أعود إلى إربد حاضرة الشمال المنفتحة على وهج القومية، ودعونا نمر من جهة ديوان التل وبيت النابلسي ومقهى الكمال بدلالته التاريخية والسياسية، وهناك نشاهد صدمة أخرى تضاف إلى فشلنا في الحفاظ على تراثنا الحضري، وكل هذا الأمر يناط بوزارة السياحة التي غاب عنها الاعتناء بالإرث الحضري وكذلك البلديات التي لا تقوى على تفعيل او حماية ما لديها من مرافق تاريخية، أو حتى توظيفها لتدر عليها دخلاً سياحياً محترماً.
السياحة في الأردن قادرة على أن تجعل لكل مدينة ميزتها التطويرية، لكنها لا تعمل بالشكل الذي يجب أن تعمل عليه ولا تسير بشكل يواكب تطورات الاهتمام العالمي بالتراث الحضري، الذي يرتبط ارتباطا وثيقة بالأرث الجمعي، وهنا يصبح للمؤسسات الأهلية دورها ويصبح المواطن شريكا في التخطيط.
كان يؤمل للامركزية أن تقود لمثل هذا الاهتمام، لكن التجربة للتو حديثة، ومع هذا لا حديث عن الاختصاص الحضري التنموي للتراث المادي، وهو أمر مهم كي نخلق تنمية حقيقية. بيد أن الاهتمامات الخدمية تبدو طاغية على كل ما يحدث، ويقفز جمهور الخبراء لتحليل ايجابيات مشروع جديد وينسون فشلهم في إدارة تاريخ وتراث البلد، الذي انتهت جدرانه لممارسة متعهدي تشييك المزارع لوضع اعلاناتهم المجانية بارقامهم عليها.
موسرجي أو كهربائي أو مُشيك مزرعه، هي أعلانات تظهر على جدران مرافق تاريخية فتلوث المدن والتاريخ، ولو أن هناك مسؤولا اشتكى أو جلب صاحب التلفون وحاكمه بالقانون لما وجدنا هذه الاساءات المتكررة للتراث وتاريخنا وعواصمنا القديمة.
الدستور