ان الثقة بين المواطن والمسؤول شيء في غاية الأهمية ولا يجوز الاستخفاف بها أو التقليل من شأنها أو الالتفاف عليها ولا الفهلوة فيها . الثقة قناعة عند المواطن بأن هذا الذي يقوده إنسان محترم مليء بحب الوطن وأهله يفكر لهم ويألم لألمهم ويفرح لفرحهم . نعم ليست علاقة غزلية بل هي علاقة تعاقدية يكلف فيها المواطن من يقوم على خدمته ورعايته وتحقيق عزته ورخائه . إنه يستأجر من يحقق له طموحاته وأمانيه ، فالمسؤول أجير عند المواطنين لأنهم هم مصدر السلطات وفق النص الدستوري إذ لا قيمة للمسؤول بدون مواطن ، فكل أركان الدولة في القانون الدستوري تؤول في النهاية للمواطن. فالأرض لا قيمة لها بدون سكانها وأهلها كما قال تعالى ( وأسأل القرية ) أي اسأل أهلها . وكما قال الشاعر :
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا .
والدستور والقانون إنما يضعهما الشعب لينظم حياتهم فليست المسألة ترفا" فلسفيا" بل الأمر يتعلق بالإنسان الذي هو الأساس . والمسؤول إنما صار مسؤولا" لوجود الناس فلو لم يكونوا موجودين لما كان هناك مسؤول . فالإنسان هو المحور الأساس . وبناء عليه فالحصول على ثقته تقرر مشروعية المسؤول فإن لم تكن هناك ثقة فقد المسؤول شرعيته ، ودخل في صراع مع ذاته وناسه . من هنا كان على المسؤول قبل ممارسة عمله أن يحصل على ثقة الناس عبر ممثليهم الحقيقيين ، ومن الناس مباشرة من خلال العمل اليومي الذي يصادق على صحة القسم الذي أداه أو فساده.
الواقع في كثير من البلدان أن الثقة بين الناس والمسؤول معدومة أو ضعيفة ، والسبب يعود لأداء المسؤول ، وقد رأينا المساحة الكبيرة لانهيار الثقة فيما سمي بالربيع العربي الذي أطاح بمسؤولين كتموا أنفاس الناس ونهبوا مالهم وسفكوا دمهم وخنعوا للأجنبي بينما كانت مرجلتهم على المواطن الذي صموا أذنه مرات ومرات بأنهم خدم له وأنهم فداء لعزته وكرامته وفق الخطابات المنافقة بينما الحقيقة أنه في نظرهم بقرة حلوب والوطن في نظرهم مزرعة وهم سادتها كما قال فرعون ( ما رأيكم إلا ما أرى ) ( أنا ربكم الأعلى ) ومن يعارض توجه له التهمة الجاهزة ( إنهم لشرذمة قليلون ).
لن يستقيم وطن ما دامت الأمور بهذا الشكل ومن حقي الدستوري ولو أنني لست نائبا" أن أقول:
أحجب الثقة ولن أمنحها الا لمسؤول يرى نفسها أجيرا" خادما" أما لصوص المناصب فليس لهم عندي ثقة .