تأملنا وجه عبدالله بن الحسين ، امس ، في المدينة الطبية ، في ذات اليوم ، الذي رحل فيه الحسين بن طلال ، وذات اليوم ، الذي تولى فيه الملك سلطاته الدستورية ، فعرفنا ، ان هذا العهد ، يتصل بذاك العهد.
حين تولى الملك سلطاته الدستورية ، وفي مقابلة شهيرة له استخدم تعبيرا ، لافتا للانتباه ، حين قال في احدى مقابلاته.."انا لست ابي" وقد حظي التعبير بتأويلات عدة ، كان اسوأها ، من قال ان الملك يقول ان عهده ليس كعهد ابيه ، وانه يدل عبر الاشارة ، على جملة تغييرات ، قادمة على الطريق ، والقريبون من الملك يعرفون انه قصد بهذه الجملة ، اي شيء اخر ، عدا قصده "لن اعيش في جلباب ابي" فهو يعرف ان هذا العهد ، مبني على ذلك العهد ، وان الكاريزما السماوية في الحسين ، كانت نتاج سهره وكده لاجل هذا البلد ، وبسبب اقترابه من الناس ، من كل المستويات ، وحين يقول الملك عبدالله بن الحسين .."انا لست ابي" فهو ايضا ، يقول ان لا احد يصل الى ما فعله الحسين ، وما تركه من بصمات ، وقصة في كل بيت اردني...وهي ايضا "سر المهنة" في الملك الذي يعلن حقه بتميز عهده ، دون ان يهدم عهد والده ، في الذهنية العامة.
حين ترى الملك ، كيف كان يقترب من امهات الاردنيين ، من اخوات وامهات الشهداء الذين تم تكريمهم ، في المدينة الطبية ، يوم امس ، ممن خدموا في الخدمات الطبية الملكية ، التي ما يزال عسكرها وجندها ، حتى اليوم ، في غزة الجريحة ، حين ترى الملك كيف يبتسم بهذا الوجه الرضي ، وكيف يحضن الامهات ، ويبكين على كتفه ، وحين ترى كيف يتلقى رسائل المظالم والحاجات ، ويدسها في جيب بذلته ، ولا يعطيها لاي موظف في القصر الملكي تعرف ان الاردن بين عهدين ، هو ذات الاردن ، فالعرش الهاشمي ، كان من الناس ولاجل الناس ، العرش الذي يوحد ولا يفرق ، العرش الذي حمى الاردن ، من محارق السوء ، وغدرات الظلام ، وتعرف اننا كنا نرى في وجه عبدالله امس ، وجه الحسين ، وهو ما يلخصه الملك حول ان الدولة ستحافظ على المدينة الطبية ، كمنجز ، وتسعى لاطلاق حملة عامة لدعم مشاريع تطويرها بمائتي مليون دينار ، وهو هنا يقول ان ما انجزه الحسين لن يضيع في عهد عبدالله ، بل سيتم تطويره ، وان من يقول ان هناك فروقا ، بين العهدين ، هو مارق او متصيد في الماء العكر ، فقد احسسنا ، امس ، ان الحسين كان معنا ، وان عبدالله بن الحسين ، في عشر سنوات ، حافظ على الاردن ، وحماه من المؤامرات ، وهو سيكون قادرا على مواصلة هذه المهنة المتعبة ، بحق.
ليس هناك ، اجمل في هذه الدنيا ، من رؤية العسكر ، ورجال الجيش العربي الاردني ، وحين يكرم الملك كل مدراء الخدمات الطبية الملكية السابقين ، وكل الذين اشرفوا على الحسين في مرضه ، وكل الاطباء والكوادر التمريضية المميزة ، وبناء واقارب شهداء الخدمات الطبية الملكية ، تعرف ان الملك لم يجعل هذه المناسبة تمر دون رسائل على مستويات مختلفة ، رسالة الى المؤسسة العسكرية ، بكل ما فيها ، ورسالة الى شعبنا الطيب في كل مكان ، ورسالة ايضا ، الى ان هذا العهد بني على حق ، وسنة التغيير في الدنيا ، لا تقودنا الا الى التغيير الممنهج المدروس ، الذي لا ينسف السابق ، ولا يتنصل منه ، ومن حقائقه المختلفة ، وهذا البناء المستمر ، يجعل بناء اليوم قويا ، صلبا ، عصيا على الكسر والتكسير ، ويجعله ايضا ، بذات القوة الشرعية ، وذات الالق في عيون ملوك الهاشميين ، معهم ، منذ ان كانوا الى يومنا هذا.
صوت الملك المتأثر ، حين استذكر والده ، وبعد مشاهدة الفيلم الوثائقي ، حول المدينة الطبية ، الذي سمعنا عبره صوت الحسين وهو يعلن عام 1971 تأسيس المدينة الطبية ، يكشف ايضا ، عن علاقة حميمة تربط الابن بوالده ، وتكشف ان هذا الملك من ذاك الملك ، وان الترميز ، ايضا ، في قصة الحفاظ على المنجز المتمثل بالمدينة الطبية ، وتطويره ، يعني ان ليس كل شيء للبيع ، وان وصفات بيع البلد ، على المزادات ، وعرضه بالقطعه لاجل خاطر القطاع الخاص العربي والاجنبي ، وصفات مشكوك فيها ، وتمت اعادة النظر فيها ، وحين نتأمل ملكين في يوم واحد ، هو السابع من شباط ، نعرف ان الدنيا بخير ، وانه لا يصح الا الصحيح ، في نهاية المطاف ، وان الاردن يكبر ، يوما بعد يوم.
الى عبدالله الثاني بن الحسين ، انت رجاء شعبك ، وفي يومك الاول ، من العام الحادي عشر ، نبارك لك ، ونترحم على روح الحسين ، ونعرف دوما ان هذا البلد وجد ليبقى ، اوجدته اراده الله ، وسيبقى كذلك ، القلب العربي الاردني الذي ينبض بحب آل البيت ، ولا تثير هلعه الليالي الحالكات... ولا دسائس الصغار ، ممن ينامون في فراشنا ، ويقرصوننا بلواذع الكلام.
m.tair@addustour.com.jo