كتب الروائي الروسي (دستويفسكي) : "إذا أردنا أن نكون إنسانيين ونتصرف تصرف أناس عقلانيين، علينا أن نقتصر على أفكار يؤديها العقل وتدعمها التجربة، أفكار مرت ببوتقة التحليل المنطقي، أي ينبغي ألا نغرق في حلم أو هذيان"، ولعل الاقتراح السلبي الذي تمخض عن حكومة الدكتور (هاني الملقي) في الآونة الأخيرة بإنشاء مدينة حكومية رديفة للعاصمة عمان مغاير تماما للحديث آنف الذكر الذي يحث المرء على أن يلتزم جانب الحكمة والحذر والتروي .
يقول دولة الرئيس : أن الرأي المطروح يساهم في إنعاش الاقتصاد واستقطاب استثمارات القطاع الخاص وإيجاد حلول لمشكلة النقل ويخفف من الأزمات المرورية والكثافة السكانية العالية في العديد من المناطق، ولكنه تناسى أنهم ما برحوا عاجزين عن جمع المال الذي سيغطي عجز الميزانية الذي دفعهم إلى التفكير في رفع الدعم عن مادة الخبز أحد المواد الغذائية الضرورية التي يعتمد عليها الأردني بشكل أساسي، كما أن هذه الاقتراحات تكلف الملايين وثمة مشكلات خدماتية يعاني منها أبناء الطبقة الكادحة، مثل بناء المدارس والمشافي والمراكز الصحية والمنشآت الرياضية وعمل المشاريع التنموية التي تساهم في الحد من العوز والفقر والبطالة، يفترض أن تكون لها الأولوية في الدراسة، وأما الأعمال الثانوية ممثلة بالمدينة الجديدة، يفترض أن تتم في المستقبل حين يهدأ البال ويطمئن العقل، حيث تصبح ضروب المآسي التي يعاني منها شعبنا ذكرى لا أكثر فيكون من الممكن عندئذ أن تدرس دراسة فيها من الإنصاف والعدل والحياد .
تلك الآراء شغلت الشعب الأردني في الأيام الماضية فهو ما زال حتى كتابة المقال فريسة للهواجس والتساؤلات، ولكن بعض الأنباء الواردة توحي أن المشروع قيد الإنشاء في المستقبل القريب لذلك آمل ألا يدفع فقراء البلاد ثمن القرارات الخاطئة أشهرا وأعواما عديدة من الشقاء والعناء كتلك التي قضاها (جان فالجان) في سجن طولون في فرنسا؛ لأنه سرق رغيف خبز من أجل إطعام شقيقته وأطفالها الذين كانوا يتضورون جوعا، ولكن شتان بين الحالتين؛ لأن الحالة الأولى تعكس واقعا مأزوما يمس الغالبية العظمى من أفراد المجتمع الأردني أما الثانية فتجسد معاناة شخصية خيالية في صراعها مع واقعها في رواية (البؤساء) للكاتب الفرنسي (فكتور هوجو) .