طبّعوا كما تشاؤون ولكن .. !
حلمي الأسمر
02-11-2017 01:01 AM
-1-
كان اليهود في جزيرة العرب جزءا من «الأمة العربية» عاشوا مع أبناء الديانات الأخرى قبل الإسلام بوئام، ومن يقرأ تاريخ بلاد العرب الأولى، يدرك أنه لم يكن هناك أي فرز ديني بين العرب، فبعضهم كان نصرانيا، وآخرون من عبدة الأصنام، وفئة من اليهود، وثمة ديانات أخرى كانت أقل شيوعا، بعد البعثة المحمدية احترمت الأديان كلها، باعتبارها «شأنا شخصيا» لم يُرغم يهودي أو نصراني أو مشرك على اعتناق الإسلام، وكان المبدأ الإسلامي الذهبي: خلوا بيني وبين الناس، يعني ليس لحاكم أن يجبر شعبه على اعتناق دين معين، وليس له أن يمنع حرية الدعوة للإسلام، ومن يقرأ وثيقة المدينة، أو أول دستور لدولة المدينة كما يسمى، يدرك مغزى «حرية المعتقد» بالتعبير المعاصر، التي تمت صيانتها واحترامها..
-2-
فيما بعد، حينما قويت شوكة الإسلام، تواطأ اليهود مع أعداء «دولة المدينة» وخرقوا حقوق «المواطنة» ولم يحافظوا على بنود «الدستور» وفي كل الشرائع السماوية والأرضية، عقوبة الخائن مغلظة، الإسلام لم يبادر لإخراج اليهود من بلاد العرب، بل هم الذين لم يحافظوا على ما اتفق عليه، في الحقب التاريخية التالية، لم يتم استهداف اليهود، كديانة، في أي مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، بل كانوا جزءا من المكون المجتمعي، أكثر من هذا وجدوا في المجتمعات المسلمة ملاذا لهم من اضطهاد الآخرين لهم، فعاشوا في شمال أفريقيا ومصر واليمن، والعراق، وغيرها، معززين مكرمين، ولم يسجل التاريخ أن المجتمع المسلم استهدف يهوديا لديانته، بل انخرط اليهود بشدة في صناعة الثراء والفن والإبداع، فكان منهم كثير من المشهورين في كل الحقول، بعد قيام الكيان الصهيون المتوحش، المسمى «إسرائيل» نشطت الدعاية الصهيونية في تهجير اليهود العرب، فغادر منهم من غادر، وبقي من بقي حتى اليوم، دون أن تمس منهم شعرة (المغرب، مثلا، وحتى سوريا، قبل أن تدخل نفق «الثورة») ..
-3-
قام كيان العدو الصهيوني على جسد شعب عربي، تم التنكيل به، وتهجيره، وذبحه، وتواطأ الكون كله أو جله مع بناء هذا الكيان المتوحش، ولا يوجد في الإسلام كله ما يدل على التسامح مع المظالم التي ارتكبها، بحق الفلسطينيين، مسلمين ونصارى، بل امتدت جرائمه إلى شعوب أخرى، في مصر وسوريا والأردن، ولبنان، وطال عدوانه تونس والعراق، وتحول الكيان إلى قاعدة لتصدير المرتزقة، وأدوات الموت، وخبراء التعذيب، دعوات «تطبيع» العلاقات معه اليوم، باعتباره جزءا من المنطقة العربية، لا تستند إلى أي فهم إسلامي صريح أو مؤول، وعلى من يريد أن يجعل علاقته «طبيعية» معه أن يغير نصوص القرآن الكريم، ويعيد كتابة الفقه الإسلامي كله، بل ربما عليه أن يكتب «قرآنه» الجديد، الذي لا علاقة له بالقرآن الكريم، الذي يخلو تماما من أي دعم لأي عملية «تطبيع» مع كيان غاصب ومجرم، بوسع دعاة «التطبيع» أن يفعلوا ما يشاؤون، تحت عنوان «التعايش مع الديانات الأخرى» ولكن ليس لهم أن يدعوا أن ما يفعلونه جزء من الإسلام، فالإسلام متعايش مع هذه الديانات قبل أن يخلقوا، لكنه لا يتعايش مع الظلم والعدوان والهمجية والتوحش والإجرام!
طبعوا كما تشاؤون، ولكن لا تقولوا إن هذا من الإسلام، الذي تدّعونه!
الدستور