في عصر «الويكيلكس» لم يعد ثمة ما يبقى خافيا، فما أسهل أن يقرّصن أحدهم حسابا لأحدهم، ويكشف كل مستور، ناهيك عن أن سهولة التواصل المذهلة، جعلت من عملية تناقل الأخبار والفضائح أسهل من السهولة!
ما خفي أعظم، رغم كل ما قرأناه ونقرأه، وسنقرأه، ففوق كل ذي علم عليم، ومع هذا فنحن نصاب بالدوار بعد معرفة جزء يسير مما يجري في «طبقات الجو العليا» من بلاد العرب، فكيف بنا لو اطلعنا على كل شيء، لا سمح الله؟
-2-
ما خفي أعظم، لا تخص طبقة دون أخرى، ففيروس المرض المعدي حين يضرب قوما لا يستثني أحدا، حاكما أو محكوما، كم ذهلت هذه الأيام وأنا أبحث عن تنكة زيت زيتون أصلي «طفاح» كما يسميه المزارعون، ومصدر الذهول ما وصل إليه بعض ضعاف النفوس من باعة الزيت، ومدى «إبداعهم» في الغش، ولا نعمم بالطبع، لكن «كم» المعلومات الذي تجمع لدي، جعلني أصاب بالدوار والشك بكل قطرة زيت، فثمة من يراعي في غشه الطعم والرائحة واللون، وثمة من يخلط الزيت بزيت آخر، سواء كان زيت زيتون أو زيتا نباتيا آخر، وثمة من يعطيك تنكة زيت حقيقية، ولكن نصفها «عصير» التحتاني ورق زيتون حقيقي، وثمة وثمة... مما لا يتسع المجال لذكره، فما خفي أعظم!
-3-
بالمناسبة، معرفة ما خفي الأعظم، ليس عملية إيجابية دائما، فأنت تتمنى أحيانا أن لا تعرف، وتريح رأسك من عبء الوعي، في رواية «أرض النفاق» ليوسف السباعي، يتجرع البطل عقار الصراحة، ويتخلص من النفاق، ويبدأ بالتصرف وفق ما يعرف ويشعر فعلا، من دون مجاملة، وبإظهار كل ما «يخفيه» في نفسه، ولكم أن تتخيلوا ماذا يحدث لهذا «البطل» حين يتصرف على سجيته مع زوجته وجيرانه ومعارفه، ورب عمله، دون أن يخفي شيئا مما يشعر به او يعرفه، لقد تحولت حياته إلى جحيم، وبدا الاستقرار الذي كان ينعم به ضربا من المستحيل، وبالتالي بدأ يبحث عن عقار يعيده إلى «ارض النفاق» كي يضع رأسه بين الرؤوس، ويحيى كما يحيى بقية سكان تلك الأرض، بكل ما يخفونه، ويكتمونه!
-4-
ما خفي أعظم، ولكن لن يبقى كذلك، فمن يفتش في دهاليز منصات التواصل الاجتماعي، يجد فئة تخصصت في نبش كل شيء، ونشر كل شيء، حتى أنك تشعر وأنت تقرأ تلك المنشورات، أن حبوب الصراحة التي يتعاطاها بطل «ارض النفاق» صارت أكثر انتشارا من الفياغرا، ومن حق كل من يحمل على رأسه بطحة أن يتحسسها جيدا، فما خفي لن يعود خافيا يوما ما!
الدستور