عنف الصورة شكلٌ من أشكال العنف الإيديولوجي
31-10-2017 07:03 PM
عمون - قال المفكر العربي المغربي عبدالاله بلقزيز إن عنف الصورة فـي عِداد العنف الرمزي، وهو شكلٌ من أشكال العنف الإيديولوجي في ظل النظام الثقافـي العولـمي الجديد "النظام الإعلامي الفضائي- الـمعلوماتي-الإلكتروني".
وفي محاضرة له بعنوان "أزمة الهوية في عصر العولمة"، القاها في منتدى عبدالحميد شومان الثقافي مساء امس الاثنين وأدارها المؤرخ الدكتور علي محافظة، أشار إلى أن الأدوات الجديدة، التي امتطتِ العولـمةُ صهوَتها ثقافـياً، إعلاميةً ومعلوماتية بالدرجة الأولى؛ وقد مثَّلتها مؤسسات الإعلام الفضائي والشبكة العنكبوتية للـمعلومات وانتشرت فـي العالـم انتشار النار فـي الهشيم، وباتت توفِّر لاستراتيجيات السيطرة الثقافـية ما لـم تكن تقوى على توفـير نظائرها من الإمكانيات أيّ أدوات أخرى فـي الـماضي.
ولفت إلى أن قوى العولـمة، بهذا الزحف الثقافـي الهائل، امكنها أن تستبيح آخر حصون "الشخصية الوطنية"، الذي هو الثقافة، بعد أنِ استباحتِ العولـمةُ الـمادية الاقتصادَ والسياسةَ والأمن والسيادة الوطنية، وأجبرت العالـم "غير الغربي" على أن يضويَ تحت أحكام قوانينها الجائرة، معتبرا انها أنجزت، من قناة الثقافة والاكتساح الثقافـي، وبأقلّ كلفةٍ مادية، ما لـم تُنجِزه من قناة السياسة والحرب والهيمنة الاقتصادية.
واوضح أن النظام الثقافـي العولـمي الجديد "النظام الإعلامي الفضائي- الـمعلوماتي-الإلكتروني" يختلف عن نظيره القديم باختلاف الـمادة الثقافـية التي يشتغل بها ويَعْرضها، لافتا إلى أن ما تُضمِره استراتيجيات الهيمنة الثقافـية، اليوم، من "رهانات" جديدة فـي قلبها توظيف تكنولوجيا الصورة وتسخير إمكانياتها فـي مجال إنتاج خطابٍ ثقافـي عابرٍ لحدود اللغات والثقافات والقوميات.
واعتبر أن "ثورة" الصورة وانفجارها الصناعي أتت تدميرية، فـي جوانب كثيرة من استخداماتها الإعلامية والإلكترونية؛ إذ دمَّرت قيماً إنسانيةً نبيلة، ضحَّتِ الإنسانية طويلاً من أجل بلوغها، مثل السلام والتسامح واحترام كرامة الإنسان، بل احترام آدميته؛ فباتت مشاهد العنف مشاهدَ مألوفة فـي الفضائيات الإعلامية و-خاصةً- على شبكة الإنترنت، مثلما نالت من حرمةِ الطفولة وانتهكت حرمة الـمرأة.
وفي هذا الاطار أشار إلى ان آلة صناعة الصورة نقلت الـمشاهد التي تُزري من قيم التبادل الاجتماعي السويّ، مثل التَّسَابّ والتقاذف بأبذئِ الألفاظ والتراشُق بالتهم،
وشجعت على البرامج "الثقافـية" و"السياسية" التي تستضيف الهجّائين، من أجل اغتيال المضمون النبيل للحوار والـمناظرة، وابتذال الـمعنى، ونشْر العدمية وشكِّ الجميع فـي الجميع، لافتا إلى ان ذلك كله جرى تحت عنوان "الحياد" الإعلامي و"نقل الواقع" إلى الناس بـ"موضوعية".
وأشار إلى بموازة الأدوار التدميرية لثقافة الصورة تم إعادةَ تشكيلِ الأذواق والـمعايير ومنظومات القيم، فـي العالـم، على مقاس مصالح قوى العولـمة الكبرى ووفقاً لنموذجها الحياتي بوصفه النموذج "الكوني" "الـمرجعي" الوحيد الذي ينبغي أن يُنسَج على منواله.
وبين أن سعي ثقافة العولـمة الحثيث فـي تلـميع النموذج الحياتي الغربي الـمعيشي لاسيما الأميركيّ وإظهار مغرياته وجاذبياته، ومن باب نشر ثقافة الاستهلاك وترسيخ قيمه، ومعه ترسيخ القيم النفعية والوصولية والزراية بالأخلاق والـمبادئ؛ وتبجيل التمرّد على منظومات القيم السائدة، من باب حسبانه نشداناً للحرية والفردانية.
ولفت إلى أن واحدةً من أخطر النتائج التربوية والثقافـية التي تستجرّها ثقافةُ الصورة هي إفقارُ الوعي وتسطيحُه، فـي امتداد تنميطه وأقْنَمَتِهِ، مبينا أن الصورة إذْ تشدُّ الانتباه وتحتكره، تصرف متلقِّيها عن محيطه، بحيث لا تدعُهُ يفكّر فـي ما يشاهده من زخّ كثيفٍ متسارِعٍ للصور.
وبين أن سلطان القيم الثقافـية للولايات الـمتحدة فـي العالـم، يعود لاسباب عديدة ابرزها سعة انتشار لسانها "الإنكليزي" فـي العالـم، وقوّة مؤسساتها العلـمية والجامعية، وسيطرتها على الفضاء الإعلامي والإلكتروني وقدرتها، على تسويق قيمها ومعاييرها فـي العالـم الخارجي، لافتا إلى ان سر هذا السلطان يعود إلى ما تتمتع به أميركا من موارد قوّة تتوسّلها لفرض سيطرة قيمها الثقافـية.
وخلص إلى أن الأمن الثقافـي يعني، فـي ما يعنيه، صوْن كلّ ما هو إيجابيٌّ وخلاّق فـي الـموروث الثقافـي ومنظومة القيم.