لم ار في حياتي ، مثل الشهور السبعة الماضية ، اذ اشتدت الصراعات ، بين السياسيين ، وبلغ التراشق ، حدا غير مسبوق ، بين الجميع ، وكأننا في غرفة ، نحمل خناجرنا ، في العتمة ، ولا يرى الطاعن والمطعون ، وجهيهما ، ساعة تلقي الضربات ، والغرفة غارقة في الصراخ ، جراء شدة الطعنات ، وتبادل اللكمات ، في حين ان الناس يجلسون في الحديقة ، في عز البرد ، ينتظرون موعد انتهاء هذه المباراة..حتى ينعموا بساعة راحة داخل غرفتهم ، التي سرقها السياسيون ، وبطاناتهم.
لم ار في حياتي ، مثل الشهور السبعة الماضية ، فهي شهور غير مسبوقة ، من حيث حجم الصراعات ، بين السياسيين ، وحجم الخلافات ، والاشاعات ، والتكتلات ، وبناء التحالفات ، ثم تفكيكها ، ثم بناء محاور جديدة ، وحين تنظر الى المشهد ، تعرف اليوم ، اننا في وضع حساس جدا ، لا يجوز معه ، البقاء للتفرج ، على ما يجري ، داخل مجلس النواب ، وداخل الحكومة ، وبين كل الجهات ، حين نسمع حجم الاختلافات ، والتفتت وسط النخبة السياسية والاعلامية والنيابية ، وتسأل نفسك ما هي القنبلة المدوية التي من المفترض ان توقف كل هذا الصداع ، وكل هذه الاجواء ، داخل البلد ، وعلى مستويات مختلفة؟وهو سؤال مطروح برسم الاجابة.
لاول مرة ، في حياتنا ، تشتد الصراعات ، وتظهر الى العلن ، بهذه الطريقة ، وينقسم الناس ، من مستويات مختلفة بهذه الطريقة ، واذا عددت المعسكرات التي تعرفها ، ولاتعرفها ، لما انتهيت من العد ، فلدينا الف معسكر ، ولا احد يرتاح ، من اتهام الاخر ، ومحاربته ، وحين تعرف تفاصيل المشاجرة البرلمانية الاخيرة ، تعرف ان ختام الدورة لم يكن مسكا وعنبرا ، وانما تعبير عن الحالة الاصلية ، المرتبطة بوجود اصطفافات ، في كل مكان ، وهناك عشرات المجموعات المختلفة ، ولكل مجموعة تغذيتها ، وتغذيتها الراجعة ، وادواتها ، ووسائل ادامة وجودها ، حتى وصلنا الى مرحلة ، لا تجد فيه اثنين متفقين ، على امر واحد ، فلا الوزير يتفق مع الامين العام ، ولا النائب يتفق مع زميله في ذات الكتلة ، ولا الاسلامي هادئ ، ولا من هو ضد الاسلامي ، ساكت ، ولا الغني راض ، ولا الفقير راض.
معنى الكلام ، اننا بحاجة الى ايقاف لكل هذه الاجواء ، وان نعود جميعا الى مقاعدنا الاساسية ، وان نتوقف عن هذه المعارك الرئيسية والفرعية ، ولا يكون ذلك الا باعادة شد الانظار الى العناوين الرئيسية ، والى هدم كل "البراكيات" التي اقامها ، محترفون وهواة ، على طريق حياتنا ، وحين تعرف حجم المخاطر السياسية والاقتصادية ، التي تهدد البلد ، وتتطلع الى حجم الملاكمات والصراعات ، تعرف ان لا احد يهمه الشأن العام ، فهناك معركة اساسية لحسم النصر ، لمصلحة لاعبين محليين ، على حساب لاعبين وغير لاعبين ، وهي اللعبة التي يجب ان تتوقف ، وان يهدأ جو البلد ، المشحون ، منذ سبعة شهور ، وان يستحي بعضنا ، ويخاف بعضنا ، ويتراجع بعضنا ، كل حسب الوصفة التي تناسبه.
التفسخات والخلافات ، والتنابز بالالقاب ، والاتهامات ، والعسكرة ، والاختلاف على من يملك حق اعراب الموقف ، ومن يملك حق تقرير الموقف ، حاليا ، ومستقبلا ، كلها ظواهر اشتدت ، خلال الشهور الماضية ، وما زالت تشتد ، والواقع ان الثقة بين المواطن والمؤسسة العامة ، بكل صورها البرلمانية والحكومية والاقتصادية والاعلامية ، ضعفت الى حد كبير جدا ، ونحن امام وضع يوجب ان تتم النظرة بكل عمق الى تفاصيل المشهد ، والى الرؤوس الاصيلة او التي تم استنباتها ، في ارضنا ، فهناك تكاثر مرضي ، لعدد الرؤوس ، ومداراتها والعابها ، وقد نكون بحاجة الى من يبني الثقة من جديد ، ويعيد الاشياء الى مداراتها الاصلية ، ووقف كل هذا الهدر والهدير ، في يومنا الوطني ، حتى بات كثيرون قابلين للقسمة على اثنين ، وقد رأيت في هذه الشهور ، اكبر حجم في حياتي ، من انفصام الشخصية لدى شخصيات ، كلها تنقلب على نفسها ، وعلى غيرها ، بل تقول شيئا ، في النهار ، تقول عكسه في المساء ، وما تقوله اليوم ، قد لا تقوله غدا.
هذا التشظي ، الذي لا يعرف عنه الناس ، يلمسون اثاره على حياتهم ، عبر كل هذا التردي في اداء المؤسسات ، وغيابها عن ادوارها الاصلية ، وخلق فراغات ، تجعل الانسان ، محتارا في سر ازدياد التراجعات الاخلاقية ، والمعايير الوطنية ، والاحساس بوجود فراغ ، من جانب مؤسسات وافراد ، تركوا مهماتهم الاصلية ، وتفرغوا لبعضهم ، ولغيرهم ، هو احساس قاتل ومؤسف ، ويذوق الناس مراراته كل يوم ، وان كان كثيرون لا يمتلكون القدرة ، لمعرفة سره او تفسيره ، على عكس من هم في غرفة الملاكمة المعتمة ، او من يتسمعون على الاقل ، قرب الباب ، لتلك الآهات والتوجعات ، جراء تبادل اللكمات والطعنات ، حاليا ، وسابقا ، ومستقبلا ، في الغرفة التي تستقبل زبائن جددا ، كل يوم.
قال لي احدهم.. "لن يريحنا من هذا الجو سوى الاعتراف بأن كل الوصفات التي تم تطبيقها ، قد فشلت ، ونحن اليوم امام مرحلة" ، توجب برأيه ، "حل مجلس النواب ، وتكليف حكومة جديدة ، واسماعنا صوتا قويا هادرا مهددا متوعدا ، الجميع ، من اجل ان يعودوا الى مواقعهم الاساس ، حتى تنتهي الملاكمة في الغرفة المعتمة" ، وان يتم تحديد وصفة ثابتة للصمود والنجاح على كل المستويات" ، وبغير ذلك ، فان هذا "الضعف والتشظي ، اذا استمر سيأخذنا الى وضع غير مقبول ولا محمود ، ولا متوقع.. ايضا".
متى سنسمع صافرة الحكم ، معلنة انتهاء هذه اللعبة الخطيرة؟ سؤال لمن يعرف الجواب.
m.tair@addustour.com.jo