هل سيصنعون لنا عاصمة جديدة غير عمان ، وهل المدن التي تحمل هوية الدولة ووجدانها بسهولة تُبنى ، هل نسوا أن عُمر عمّان يزيد عن ستة آلاف سنة ، هل العاصمة هي فقط شوارع وبنايات وإسمنت وزجاج وسيارات وأزمات ودواوير.
عمّان في وجدان الأردنيين هي أكثر من مجرد مدينة ، وأكبر من عاصمة ، عمّان هي روح العسكر والحسين ووصفي وحابس والمقرّ والحمّر ورغدان وبسمان وزهران ، عمّان هي المدينة الطبيّة والجامعة الأردنية وقيادة الجيش ومعسكر العبدلي والمدينة الرّياضية والمدرّج الروماني ، عمّان هي جزء من تاريخنا الأردني وشهدائه الذين سقطوا وهم يحرّرون شوارعها.
عمّان ما زالت قرية في عيون الأردنيين رغم كل هذه الضوضاء في الصباح وفي ساعات الليل ، نحبّها كما هي فقد كبرتْ معنا وكبرنا معها ، نحبّها ونحن ندخلها سروة من أوتوستراد الزرقاء ومن صويلح ومن دروب الجنوب ، تغرق شوارعها في الشتاء برّشة ماء ، وتفيض في الصيف بالمغتربين ولكن نحبّها ، ونحبّ جبالها السبعة ودواويرها الثمانية ، نحبّ الياسمين في اللويبدة والشميساني ، نحب أدراجها وليس أبراجها ، نحب أزمة العيد في البلد ، نحب السرفيس ومجادلة شرطة السير ، ونحبّ الصويفية ووادي الرمم والحدادة ، نحبّها كما هي بكل تفاصيلها.
نحبّ عمّان التي كتب لها حيدر محمود فأرختْ "جدائلها على الكتفين" ، وألقى حبيب الزيودي السلام عليها فكان صباح عمان "حنّة على حنّة" ، وغنّتْ فيروز لها فكانتْ "عمّان في القلب" ، وغنّى لها فارس عوض فظلّتْ عمّان "دار المعزة والفخر" والحرّة التي " ما دّنست أثوابها".
جماعة عمان الجديدة هم ينظرون الى بيع أراضي جديدة ، وبزنس جديد ، وكمسيونات ومشاريع فساد جديدة، حتى لو أوهمونا بالكلام المعسول والكذب والأحلام الفارغة والمشاريع المرسومة على الورق والبرزنتيشن والبوربوينت ، فهذه "مدينة الشرق" على أراضي معسكرات الزرقاء و"مشروع سكن كريم" ماثلان للعيان من مشاريع الفشل والسرقة والنهب ، وبالتالي ذابت المدينة الجديدة في بحر الفساد.
ستظل عمّان عاصمة قلوبنا ومصدر اعتزازنا ، وجزءا من ذاكرتنا وتاريخنا وهويتنا الوطنية ، بنيناها كل "شبر بنذر "، أما الطارئون ومشاريعهم فلهم مدنهم الجديدة ، فلا يهمهم روح المدينة وهويتها، وحيث يضعون استثماراتهم وخزائن أموالهم ، يقيمون وطنهم ومدنهم ورايات انتصاراتهم.