تقرير البنك الدولي وواقع التعليم في الاردن
فيصل تايه
30-10-2017 09:08 PM
تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخرا والذي تضمن مؤشرات واضحة عما يعانيه التعليم في الاردن من تحديات ومشاكل، حيث اظهر وبشكل صريح ما يعتقد تأزما للحال التعليمي وتراجعه إلى مرتبه غير متوقعة ، ما يشير إلى أن التعليم في الأردن يسير إلى منحنيات خطيرة تنذر بوجود أزمة حقيقية تجتاح نظامنا التعليمي على الرغم من التطور الذي شهدته المرافق التعليمية إلا أن هذا التراجع والتأزم الذي فاجأنا وحسب هذا التقرير يشعرنا بتزعزع الثقة في مؤسساتنا التعليمية التي يشهد لها الجميع بالقدرة والكفاءة العالية .
وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز أكد ان الوزارة تدرك ما ورد في التقرير حول واقع نظامنا التعليمي ، حيث البدء بسلسة اجراءات من شأنها معالجة الوضع التعليمي برمته وان خطوات ذلك تسير بالاتجاه الصحيح ، وبين ان الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ركزت على مجمل التحديات ووضعت خططا لمعالجتها سواء بمرحلة رياض الاطفال أو تدريب وتأهيل المعلمين أو نوعية التعليم ، وكذلك فيما يخص الطلبة السوريين ، بالإضافة الى قضايا العنف وغيرها ، كما وأوضح ان تقرير البنك تم بالتنسيق مع الوزارة والتي كانت بصورته منذ البداية ، مشيرا الى أن الأرقام التي وردت في التقرير تغيرت لأنه مضى عليها عام بالكامل وهي الفترة التي استغرقها إعداد تقرير البنك الدولي ، وبين ان وزارة التربية سـتقوم خلال الفترة المقبلة بتحديث الارقام التي اوردها التقرير من تاريخ بدئه ، كما ولفت الوزير النظر إلى ان وجود اي خلل يحتاج الى الوقت الكافي لتداركه ، وأوضح إلى ضرورة الوقوف على المشاكل للانطلاق إلى مستقبل واعد من خلال أيادي الأردنيين وجهودهم .
لكني اشير هنا الى أن تفكيرنا يجب ان يكون خارج الصندوق بالاعتراف بجوانب الخلل او القصور والسعي لاستدراكها ، فذلك أمر مهم وموقف منطقي واقعي واضح يضع اليد على الجرح من اجل إجراء التقييم العلمي للعملية التعليمية برمتها ، بالاستعانة بكل الخبراء التربويين ، وضرورة مزامنة ذلك مع غربلة المناهج وتخصيص الميزانيات وتوجيهها لمختلف جوانب العملية التعليمية بشكل مؤثر ، والالتفات إلى واقعنا التربوي بمسؤولية كاملة من خلال اعترافنا الصريح بان العديد من مؤسساتنا التعليمية باتت تفرّخ نسبة كبيرة من الأجيال الفارغة التي لا تمتلك إلا المعلومات المجوفة التي لا سبيل إلى ترابطها ، وهذا يقودنا إلى مركزية التعليم في عملية التنمية الشاملة ، وفي الصميم منها الدور المحوري للمعلم كصانع للأجيال وحجر الزاوية في معادلة التنمية والتعليم .
يجب أن نعي أن الوقت يمر سريعا ومعه يتضح حجم التخبط الكارثي الذي كان متراكما عبر سنوات التوريث والترحيل للقضايا والمشكلات التربوية ، فقد توضحت الحقائق ، وآن لنا أن ندرك أن عجلة إصلاح التعليم يجب أن تسير بوتيرة تامة وبسرعة أكبر لإنقاذ مستقبل الأجيال وتصحيح المسار الذي لن يكون إلا بالتعليم المؤثر والجيد ، ما يحتاج إلى إعادة تقويم العملية التعليمية بشكل شمولي والعمل على تصنيف عناصرها وتحديد مستوى المدارس والمدراء والمعلمين والطلاب على حدٍ سواء ، إضافة إلى إيضاح المعايير الحقيقية الصحيحة التي تمكننا من المضي قدماً من أجل إصلاح الوسائل والخطط وتحسين المستويات ، ما يعطينا تصنيفاً حقيقيا وواقعياً واضحاً للمدارس يمكن أن نبني علية القدرة على تحديد مستويات تلك المدارس ، بل يفرض علينا استخدام معايير واضحة لتصبح أدوات إصلاح وتغيير لرفع مستوى أدائها وتحسين قدراتها ومخرجاتها التعليمية ، ولن يتم ذلك إلا على أيدي خبراء تربويين متمرسين قادرين على التقييم العلمي الحقيقي السليم .
إن ما وصلنا اليه يعود بالتأكيد إلى تردي مستوى مخرجات نظامنا التعليمي الناتج عن أخطاء جسيمة ارتكبت في تشخيص طبيعة المعضلات التي يعاني منها ، ما أوصلنا إلى ما اعتقدنا خطأ أنها حلول ، بينما هي في الواقع تعقيدات إضافية تسببت في تراجع مستوى التعليم لا في تحسنه ، ذلك ما يشير الى الخلل الذي كان واضحا في هياكل مؤسساتنا التعليمية إدارياً وتعليمياً ، وافتقارنا لبرامج رقابة عالية الكفاءة تضمن فاعلية التنفيذ ، فتكون النتيجة أن يزداد التعليم تراجعاً في الوقت الذي نظن فيه أننا نقوم بجهود لتطويره ، ومن ثم فقد ترتب على سوء تشخيص مشكلات نظامنا التعليمي عدم مناسبة الحلول التي وضعت للتعامل مع تلك المشكلات ، ما زادها تفاقماً بدلاً من أن تحل ، وما لم نتعامل مع هذه المشكلات بشجاعة وحزم فسنظل ندور في حلقة مفرغة يتراجع معها تأهيل مواردنا البشرية ونفشل في التأهل للمنافسة على المستوى العالمي .
كنا نذكر على الدوام ونحذر من أننا بحاجة ماسة إلى تطوير القدرات البشرية خاصة عند القيادات التربوية لأنها ما زالت تفتقر للمهارات الإدارية المتعلقة بكيفية اتخاذ القرارات المستندة على المعلومة وتعزيز مفاهيم الإدارة في التنظيم والمتابعة والتقييم ومن خلال وضع الخطط متنوعة المستوى الزمني مع ضرورة المتابعة المركزية للأداء المحلي فإن المهمة المركزية دعم اللامركزية والإشراف والمتابعة والتخطيط المركزي والنزول للتفقد والاطلاع عن كثب.. وكم ذكرنا بان الميدان يجب ان لا يسبق الوزارة في ذلك ؟
إننا بالفعل بحاجة ماسة لتنفيذ الأهداف والسياسات وتطبيقها والإعداد للمهنة ، واعتماد مؤسسات تربوية تدريبية معنية بإعداد وتدريب وتأهيل المعلمين ذات جودة وكفاءة عالية وتوسيع الشراكة مع اكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين ضمن برامج تربوية عصرية مع دراسة مستمرة لأثر التدريب وموائمته للواقع التعليمي داخل الغرف الصفية .. لان المعلم المؤهل تأهيلاً علمياً وتكنولوجياً عالياً هو مفتاح عملية التنمية الإنسانية الشاملة.. بل عامل مهم وحاسم في نجاح او فشل العملية التعليمية التربوية في أي مجتمع من المجتمعات النامية او المتقدمة ،
لذلك فإن علينا ان ندرك اننا امام تحديات معرفية وعلمية وتكنولوجية هائلة وضخمة اذا لم نستوعبها استيعاباً جيداً سنظل ندور في حلقات التلقين والحفظ.. ونكون بعيدين كل البعد عن مفاهيم العولمة والتوجه العلمي المبرمج، وثورة المعلومات والاتصالات.. ولذلك علينا الابتعاد عن السياسات العشوائية والارتجالية غير المدروسة ..
وأخيرا وان اطلت كثيرا .. فإن على القيادة السياسية أن تأخذ بيد الوزير وان تتحمل أمانة الإصلاح والتغيير وأن تنظر باهتمام كبير وعميق إلى مؤسسات التعليم لأنها المدخل الوحيد إلى التغيير المرجو ، بل يجب ان توضع ضمن أوليات عملها وليس هنالك من مؤسسات تحتاج لإصلاح قبلها ، كما ويجب وضع كل الإمكانات والكفاءات والقدرات فيها والتعامل معها بخصوصية تامة لترسو إلى بر الأمان ، فتلك هي مهمة وطنية وأخلاقية وإنسانية سيحاسبنا التاريخ والأجيال عليها ، ومن يدري ؟ لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ..
والله ولي التوفيق