تحضنها مثل فلذة كبد غاب عنها سنوات ثم عاد فجأة. لا تقوى على الجلوس. راحت تحضنها وهي جالسة، يوم قيل لها: "إنهم سيقطعون الزيتونة يا حجة". هي العجوز التي اعتادت ان تسقي زيتونتها منذ أن كانت شابة، وتلك شجرة الزيتون. اتذكرون تلك الصورة؟
لا يدرك العلاقة بين الزيتون وأهل المنطقة، الا هم، لهذا ترى أن اول ما يكره المحتلون من الشجر فينا زيتوننا.
اتلُ إذا أردت متعبدا "والتين والزيتون وطور سينين..".
كأن بين شجرة الزيتون والناس لغة مشتركة؛ هؤلاء يحتفلون برعايتها، وهي تضيء عليهم بنور زيتها طوال العام. ولا تخذلهم إن كفّ زيتها وراح موسمه اعطتك خضرة وجمال.
علاقة مركبة فيها من صلاتهم خصال، ومن طعامهم خبز وزيت وزيتون، ومن خضارهم لون يقفز فرحا بين المواسم من دون أن يبهت.
لعلك ترى هذه الاحتفاليات في موسم الزيتون واحد للقطاف، ويوم للدق، وثالث يوم للعصر. احتفاليات تجمع الناس، وتؤلف بين قلوبهم، وتجعل من الكل واحدا، فوق ارض واحدة، وعلى قلب رجل واحد.
لم يجعل أهل المنطقة للشجر كل هذه الاحتفاليات مثلما جعلوها للزيتون. وكأنها رائحة التراب يوم يتطاير فرحا لأول المطر.
رائحة التراب إذ تعانق حبات المطر، كلمة سر الارض حتى يتجهز المزارعون لموسم الفرح، "زيت وحبات من الزيتون وزعتر ورغيف خبز ساخن من ايدين الحجة".
هي منك بأوراقها وغصونها وترابها. هي منك بثمرها وزيتها وموسمها. هي منك بموسمها الربيعي الذي يبدأ دوما في خريف المواسم، وكأنها تتباهى على الأشجار بانها ستخضر أكثر يوم تتساقط أوراق جميع الشجر. أما هي فتبدأ بالعطاء.