شهد العام الماضي أعلى عدد لحالات الانتحار في تاريخ المملكة، والذي عبرت عنه نسبة تشير إلى وقوع حالة انتحار واحدة في الأردن كل ثلاثة أيام.
لست بصدد الحديث عن هذا العدد من حالات الانتحار الفردي؛ فقد قيل الكثير عن أسبابه ودوافعه، وقد اطلقت دعوات عدة من منابر مختلفة لتبني استراتيجيات محددة لمواجهة هذه السلوكيات الطارئة بشكل مضطرد خلال السنوات الستة الماضية والتي قد تتحول إلى ظاهرة.
إنني لا أنكر مدى خطورة المشكلة التي باتت تزداد خطورتها عاما وراء عام لكنني لعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن هناك انتحارا أخطر من انتحار الأفراد هذا، نمارسه يوميا لا شعوريا، ألا وهو: الانتحار الثقافي.
ويتجلى الانتحار الثقافي في مجتمعنا في عدة ظواهر منها ظاهرة عدم التزام المواطن بقوانين السير، وظاهرة إطلاق النشمي للعيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، وظاهرة انعدام نظافة المواطن؛ فلو كان المواطن نظيفا لكان الوطن نظيفا! وظاهرة العربيزية، وظاهرة الجاهة "البرستيجية" في الأعراس، وظاهرة الاعتداء على الثروة الحرجية وغيرها من ظواهر لا تتسع هذه السطور لعرضها بمجملها.
وإذا كان 25% من حالات الانتحار الفردي سببها الأمراض النفسية، فلعلني لا أخطئ التقدير بأن معظم حالات الانتحار الثقافي سببها الأمية الفكرية. وإنني أجتهد بأن أعزو السبب الرئيسي لتفشي هذه الأمية الفكرية في معظم لا بل غالبية الشعب الأردني إلى أننا لسنا بشعب قارئ.
ويا حبذا لو تقوم إحدى مراكز الدراسات الاستراتيجية بإجراء دراسة عميقة تحصي لنا بدقة كم ساعة يقرأ الأردني يوميا، وماذا يقرأ، وتبين لنا من يقرأ أكثر: الرجل الأردني أم المرأة الأردنية، وما هي أسباب عزوف الأردني عن القراءة، وكيف نصل يوما ما إلى تسجيل رقم قياسي في موسوعة غينيس بأن الشعب الأردني هو الأكثر قراءة بين شعوب العالم.
أغنية واحدة حولت بورتوريكو إلى وجهة سياحية عالمية فانتشلتها من مستنقع الإفلاس! ولعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن رقما قياسيا في موسوعة غينيس يشير إلى أن الشعب الأردني هو الشعب الأكثر قراءة في العالم سيخفف كثيرا من حدة مظاهر الانتحار الثقافي في مجتمعنا إن لم يقضي عليها، وسوف يجعل من وطننا في قمة الجاذبية السياحية.
السائح عادة ما يبحث عن صورة "سيلفي" له في أماكن تنفرد أو تمتاز عن غيرها من الأماكن على الأقل بأي شيء ليباهي بها اقرانه، وأعتقد أن صورة "سيلفي" لسائح يعلق عليها في أسفلها: "سيلفي مع الشعب الأكثر قراءة في العالم" ستكون كنزا له لن يتوانى عن التنقيب عنه في أي بقعة من بقاع هذا الوطن.