مؤتمرات دولية عن مسيحيي الشرق
الاب رفعت بدر
29-10-2017 11:44 AM
هل بات المسيحيون في الشرق قضية القضايا؟
وهل هنالك اهتمام «جدي» بأوضاعهم وضرورة بقائهم في الشرق؟
فبعد المعرض التي تحدثنا عنه سابقا (الرأي، 2017/10/4 ،(وما زال مستمرا في باريس، والذي رعاه الرئيس الفرنسي ماكرون، تحت عنوان «مسيحيو الشرق، 2000 عام من التاريخ»، عقد مؤتمر دولي في المجر، شاركت فيه الدولة المجرية، وكان عنوانه: اضطهاد مسيحيي الشرق، حيث يعتبر الاول من نوعه بتنظيم حكومي، وشارك فيه ممثلون من 30 دولة في العالم.
وبعده بأيام، غادر رؤساء كنائس من الشرق الى العاصمة الاميركية واشنطن،للمشاركة في مؤتمر دولي عالي المستوى، ويعقد سنويا منذ عام 2014 ،تحت عنوان «مؤتمر الدفاع عن المسيحيين في الشرق». وكان نائب الرئيس الاميركي السيد مايك بنس قد شارك في جلسة حيث قال: إن الولايات المتحدة ستقف دائما إلى جانب من يعانون بسبب ديانتهم. وقال مخاطبا المسيحيين في المنطقة:«المساعدة في طريقها إليكم».
راقبت بعض التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل اشخاص عديدين: منهم من بقوا في الشرق ولم يرغبوا في مغادرة أرض ابائهم وأجدادهم من جهة، ومنهم من رحلوا الى بلدان بعيدة، كاميركا وكندا واستراليا، ودول اوروبية من جهة اخرى. الفئة الاولى لا تتأمل شيئا، لأنها نالت في السابق من الوعود الكثير الكثير. والفئة الثانية تقول، تأخرتم بمساعيكم ومساعدتكم لنا، وهنا نحن نطالع الاخبار في الإعلام عن بلداننا الاصلية، من أماكن بعيدة، اصبحت ملاذا آمنا لنا.
هناك إذن أحاديث وأحاديث عن دعم حكومي غربي للمسيحيين في الشرق، وهي بحسب الخبرة، لا تقدّم ولا تؤخر، فعلى سبيل المثال، في العام 2012 ،كتب وزير الخارجية الفرنسي الاسبق آلان جوبيه، مقالا نشرته عدة صحف عالمية ومنها الرأي ( 2012/3/5 ،(بعنوان: «مسيحيو الشرق والربيع العربي»، حث فيه المسيحيين، وبخاصة في سوريا على خوض ثورات التغيير، خاتما مقاله بالقول: «إنّ فرنسا كانت وستبقى الى جواركم». وجميعنا يعرف ما حلّ منذ ذلك المقال الى اليوم، حيث مرت خمس سنوات لم تكن الا صليبا ثقيلا، حمله مسيحيو الموصل وعدد كبير من مسيحيي سوريا، ومضوا به الى أماكن بعيدة، دون أن تأتيهم مساعدات من حكومات، اللهم الا من جمعيات خيرية محلية أو دولية.
وبصرف النظر عن نوعية المساعدات والوعود المعنوية والمادية التي تنهال اليوم على مسيحيي الشرق، علينا ان نتذكر ثلاثة أمور: أولا ان المسيحي لا يرغب بان تتم مساعدته بمعزل عن سائر المواطنين. فهو ليس جزيرة منعزلة عن مجتمعه. وفي خطابات رؤساء الكنائس المسيحية في الشرق الاوسط، كانت الكلمة التي تتكرر: لا لعزل المسيحيين في «كانتونات خاصة» ولا لتهميشهم ولا لعدم الاكتراث بهم. لكن نعم للتعاون معهم كمكوّنات أساسية من مجتمعاتهم، حيث تتاح لهم الفرص ذاتها التي تتاح لسائر المواطنين.
وثانيا، ان افضل هدية تقدم ليس للمسيحيين فحسب، بل ولكل سكان الشرق هي المساعدة على اعادة الامن والاستقرار اولا، وثانيا على تعزيز قيم المواطنة والمساواة في داخل المجتمعات نفسها، فلا تمييز بين مواطن وآخر على اساس ديني او عرقي او اي شيء اخر.
وهنا، أعيد ما ركز عليه البطريرك بشارة الراعي، قبل ايام في مؤتمر واشنطن، حين قال «إنّ علينا أن نميّز بين الاضطهاد والاعتداء». فالمسيحيون ليسوا مضطهدين، ذلك ان الاضطهاد هو مسؤولية الدولة التي تأمر بقتل هذه الجماعة دون غيرها، وهذا بالطبع لم يحدث، وما حدث هو اعتداءات على المسيحيين من قبل مجموعات متطرّفة تعمل ليس ضد ابناء ديانة بعينها بل تعمل على هدم الانسانية برمّتها.
ثالثا وأخيرا، هناك مؤتمرات دولية تناقش أوضاع مسيحيي الشرق، دون أن يدعى اليها رؤساء الكنائس في القدس أسوة بمسيحيي العراق وسوريا. لماذا؟ لانّ من ينظمونها يظنون بانّ مسيحيي الشرق ليس أمامهم من تحديات سوى التطرف الذي شهدته المنطقة أخيراً؟ والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: اليس الاحتلال الاسرائيلي تحديا للمسيحيين في فلسطين وتحديدا في مدينة القدس، فلماذا لا يضاف الاحتلال كواحد من أهم التحديات التي تواجه مسيحيي الشرق، وبالاخص في فلسطين؟ وفي النهاية، انّ الاعتداء على مكوّنات اثنية او دينية، هو اعتداء على الشرق كله، ذلك انّ الشرق كان وسيبقى حاملا لإرث تاريخي مميّز، هو الوحدة في التعددية.