وعد بلفور وعاصمتنا الجديدة
فايز الفايز
29-10-2017 12:24 AM
ما أن فجرّ الرئيس هاني الملقي قنبلته قبل أيام بإعلان مشروع «عاصمة إدارية» خارج حدود محافظة العاصمة، حتى هطلت أمطار الأسئلة بغزارة وتفجرت ينابيع التفسيرات. وشخصيا تلقيت الكثير من الإتصالات عن مكان العاصمة الموعودة، ولأنني متهم بحفظ الأسرار فجميعهم يؤكد إنتظار الإجابة مني، ولكن للأسف فإن المكان المقترح لرؤية العاصمة الإدارية وليست العاصمة السياسية كما فهم الناس، قد تغير وتبدل خلال سبع سنوات مضت، ولكن أخطر ما في الموضوع أن هناك من ربط إعلان حلم الإنفصال الإداري عن عمان الضخمة بقصة حل القضية الفلسطينية وإلصاقها بما يسمونه الخيار الأردني وخدمة المشروع الصهيوني وهذا ليس دقيقا.
لعل التاريخ السياسي يشرح لنا كيف تم التخطيط والتنفيذ للإستيلاء على أراضي الدول بالإجبار، ومن ذلك «وعد بلفور» الذي يغيب عن البعض أن السبب وراء ذلك الوعد اللصوصي هو المال، فمن يمتلك الأموال هو من يمتلك قراره، فحكومة التاج البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى واجهت خطر الإفلاس بمعركة القرم، حيث تقدم السير «ليونيل روتشيلد» كبير العائلة المالية العالمية، بإقتراح دعم مالي مجزٍ لحكومة لندن مقابل إصدار تعهد لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهذا ما حدث فعلا في تشرين ثاني عام 1917، ولكن الأخطر من وعد بلفور كان مؤتمر «سان ريمو» الذي حول الوعد الى قانون دولي، وقع عليه وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وايطاليا واليابان وهم يتحملون جميعا المسؤولية.
لهذا فمن الخطر أن يتوزع دم البلاد ما بين الدول الكبرى، فالدولة الضعيفة إقتصاديا معرضة لخطر الإرتهان السياسي للدول الأجنبية إن لم يكن هناك تنويع في الخيارات، خصوصا عندما تتحول مجتمعاتها الى طبقة من الإستهلاكيين الشرهين والمقلدّين لكل ما هو أجنبي، والإتكاليين المعتاشين على أمجاد الماضي دون البناء عليها لصنع المستقبل الأفضل، فلقد رأينا كيف سخرّ اليهود الصهاينة أموالهم الطائلة لشراء وطن ليس لهم، ودعموا قيام دولة إسرئيل على أرض العرب وقدموا ولا زالوا جلّ خبراتهم العلمية والمعرفية، فيما نرى كيف تدمرت هياكل الدول العربية لكي تمتلىء جيوب البعض من المسؤولين ومن أبنائها بالأموال المهربة الى مصارف الدول الغربية التي تدعم إسرائيل وتحتقر أعداءها.
إن أخطر ما يواجهنا في الأردن تحديدا ليس الإفلاس المالي، بل الإفلاس السياسي والإجتماعي، فالمديونية العامة بلغت عام 1989 أخطر مراحلها وتعدت الخطوط الحمراء، ومع هذا لا زلنا نمتلك الوقت لنتصارع مع الحكومات ونتمتع بالخدمات وننعم بإطار أمني جيد واستقرار في النظام السياسي ونمتلك هامشا واسعا من التحرك على المستويات الدولية، دون الحاجة للخوف من مؤتمر عقد في تل أبيب ليتحدث عن الخيار الأردني كحل للقضية الفلسطينية، ولو كان هذا ممكنا لما انتظرنا سبعين عاما كان من السهل فيها ترحيل من تبقى من سكان فلسطين الى شرق الأردن وأصقاع العالم بالقوة الجبرية الدكتاتورية لحكومات تل ابيب وحلفائها الغربيين.
لذلك فإن المشكلة ليست في «عاصمتنا الجديدة» بل بعاصمة الدولة الفلسطينية المنتظرة، ولو قبل العرب نظرية قرار التقسيم عام 1947 ولو تم دعم الأردن منذ ذلك الحين للصمود أمام الضغوطات الدولية وضد الإستهداف الصهيوني له كدولة حاربت عصابات شتيرن وهاغانا ودمرت حصنهم الأخير في القدس و حررت القدس الشرقية، ولو تكاتف الفلسطينيون مع بعضهم واختاروا البقاء ضمن الدولة الأردنية حتى يتحقق مشروع الدولة الفلسطينية، لما تحولت المسألة الفلسطينية من أراض محتلة كما هو القرار 242 الى أراض متنازع عليها من قبل دولة صهيونية معترف بها دوليا وسلطة مدنية تدير شؤون الفلسطينيين تحت سيطرة الأولى.
على الأردنيين أن يثقّوا بأنفسهم وأن يؤمنوا بوطنهم وأن يتخلوا عن عقلية المشاغب المغلوب دائما، فنحن لسنا بحاجة الى إستعطاف الأخرين، والكريم لا يحتاج الى بيان لشرح الحال، ولو سيطرنا على الفساد المالي وقام أغنياء الوطن ومليارديرات العرب بدعم برامج النهوض الإقتصادي والعلمي، والإعتراف بفضل هذا البلد وأهله، لما وصلنا الى هذه المرحلة الحرجة، حيث ينظرّ علينا أشخاص في الداخل والخارج وهم ممولون ماليا وسياسا من «النظام العالمي المالي» وريث مدرسة بلفور وروتشيلد القديمة.
الأردنيون أقوياء وقادرون على إنقاذ «التايتانيك» إذا واجهت جبل الجليد، ولكن من يقدّر تضحياتهم حين ينقذ البعض أنفسهم ويتركون البحر وما عليه لأسماك القرش، وعليه فيجب أن نروج لكل مدع ومحتال.
Royal430@hotmail.com
الراي