قراءة في موقفنا الوطني من محرقة غزة !
05-02-2009 11:50 PM
لم تكن محرقة غزة، التي حصدت ما ينوف عن السبعة آلاف شقيق فلسطيني، بين شهيد وجريح، وما يزيد عن العشرين ألفا من البيوت المدمرة، بشكل كلي أو جزئي، وكل مقدرات السلطة الوطنية الفلسطينية، من وزارات ومقرات ودوائر رسمية، التي آلت إلى أيدي حركة حماس، بعد انقلاب الأخيرة على الشرعية الفلسطينية، في حزيران عام 2007م، سوى العلامة الفارقة التي أعادت رسم القضية الفلسطينية، في الذهنية العربية والإسلامية والعالمية أيضا، كقضية ملحة تستوجب حلا عادلا وشاملا، لا يقبل التأجيل أو المماطلة، كما لا يجب أن يتأخر الحل طويلا.
لقد مثلت الحرب الإسرائيلية، على قطاع غزة الأعزل، إلا من بعض وسائل التسليح البدائية، بالمقارنة مع الترسانة العسكرية الإسرائيلية، التي تجيد حصاد وقتل الأمل، بتكريس الموت مشهدا مستمرا، نموذجا حيويا ومؤثرا، في الطريقة التي ينبغي عليها أن تكون، حيوية القضية، في حياة الشعوب والأنظمة السياسية معا، من تعاطف وتفاعل مشرف. وهو ما يتطلب منا، أن نرفع قبعاتنا احتراما وتقديرا، لموقف المملكة، مليكا وحكومة وشعبا، وفعاليات شعبية، على الموقف الأخلاقي النبيل، الذي استمر، على مدار أيام الحرب وما بعدها، ليدلل على عمق الوشائج التي تربط الشعبين، وأصالة الرابطة الأخوية، وصلابة الانتماء إلى الأمة والضمير الإنساني بشكله العام.
لقد اندفع كلٌ منا، مع اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي الهمجي، على أشقائنا في قطاع غزة، إلى التفكير مليا، وبحرارة العربي، الذي لا تنطفئ في وجدانه، قيم النخوة، وتعابير الغياث، في كيفية مناصرة، المعذبين من أهلنا في قطاع غزة، وراح كل منا، يتأمل في الوسيلة التي تمكن كل مواطن، من التعبير عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني الشقيق. غير أنني أجزم أن الموقف الأردني الذي يعبر عنا جميعا، بذاك القدر الذي عبرنا فيه جميعا عن رأي وموقف موحد، كان أرقى من أن يظن بعضنا البعض.
فمن الإدانة الأولى لمليك البلاد وسيدها، جلالة الملك؛ عبدالله بن الحسين، بشكل جلي وقاطع، ومطالبته للحكومة الإسرائيلية للكف عن فوضى الدم، التي تعقد الأمور ولا تحلها، وتباعد المسافة عن السلام الحقيقي، الذي يحقق للمنطقة الأمن والسلم المنشود لا الحرب، إلى هبة جلالته الهاشمية الأصلية، بفتح جسر إغاثي متواصل، لتقديم كل أشكال الدعم المطلوب لسكان غزة، إلى تبرع جلالته بالدم، ومطالباته المستمرة، بوقف العدوان، ووصف ما يجري بأقسى العبارات الممكنة، إلى الأنشطة التي قامت بها جلالة الملكة رانيا، ومناشدتها للشعب الأردني والإنسانية جمعاء، بتقديم يد العون والسند للمكلومين في قطاع غزة، وكلمتها المكتوبة الموجهة بتأثر وتأثير شديدين، لتناصر المحاصرين الواقعين تحت سطوة آلة العدوان والبربرية الإسرائيلية، وما تلاها من موقف حازم وواضح للحكومة الأردنية التي أعطت المجال لعموم الأردنيين الغاضبين مما يجري، للقيام بالفعاليات والأنشطة المناصرة لغزة، منذ بداية الحرب وحتى انتهائها، ومن ضمنها الهبات الجماهيرية العفوية والمنظمة، وحتى قيام الأحزاب والنقابات المهنية، بدور يجمع ولا يمنع، تحت ذات الهدف، نصرة غزة وأهلها، رغم ما تخلل بعض تلك الفعاليات من محاولات استغلال سياسي غير موفقة، من قبل البعض. إلى استدعاء الحكومة للسفير الأردني في إسرائيل، في خطوة انسجم فيها الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي، بشكل متوازٍ ورائع، لا تشوبه شائبة. تلك مواقف يميزها أنها أردنية بنكهة عربية خالصة، أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن علاقات الشعبين الفلسطيني والأردني ومصالحهما، على خط سواء، يمتزج فيها الدم مع الروح، على صفحة تاريخية واحدة.
إنها مواقف تمثل الآن وبعد حين، مبعث اعتزاز، ومحط تقدير جليل، يقدره الفلسطينيون، كما قال لي أحد زملاء الدراسة السابقين، القاطنين حاليا في قطاع غزة، في إشارة إلى كل فعاليات المؤازرة الرسمية والشعبية الأردنية، إلى جانب الشعب الفلسطيني. مضيفا، أن المستشفى الميداني الأردني، الذي بعثت به المملكة لقطاع غزة، يعمل اليوم على مداواة من جرحتهم نيران الاحتلال، ليوصل الليل بالنهار، بإجراء كل ما يلزم من عمليات جراحية معقدة، لإنقاذ المصابين في ذاك العدوان الأعمى. وهو ما يشعرنا بشيء من الرضا، أن نسمع ذوي الشأن يصفون موقفنا ويقيمونه، فينصفون إذا ما حكموا، لأن مشاهداتهم هي الأقرب لأن تؤخذ بالحسبان والوجدان، ولا نملك أن نقول: وهذا أضعف الإيمان.
إن مواقف الأردن الداعمة للشعب الفلسطيني، لا تتوقف عند هبات مناصرة شعبية صادقة، أو مساعدات نعبر من خلالها عن عمق الرابطة، مع أبناء شعبنا الفلسطيني، وذلك لأن المملكة قادت وتقود جهودا لا تعرف الكلل أو الإحباط، حتى الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، بصفة هذا المسعى هدف أردني أعلى، لا يشغلنا عن شاغل، مهما تعقدت الظروف أو تغيرت.