facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




كشك الجاحظ


م. أشرف غسان مقطش
28-10-2017 04:19 PM



كنت أبحث عند أكشاك الكتب في وسط البلد عن كتاب اشتقت لقراءته مرة أخرى بعد أن استعاره مني أحد الأصدقاء ولم يعده لي. أسامحه بشرطين: الأول: أن يكون الكتاب بخير، والثاني: أن يكون قد قرأ ما في الكتاب ليس ما هو بمنقوش على تلافيف دماغه.

أول كشك صادفته كان كشك الجاحظ. سألت صاحبه عن الكتاب إياه إن كان متوفرا لديه أم لا. أجاب بالإيجاب، وهم يلتقطه لي من بين كومة الكتب التي تلتف حول الكشك مثل سوار متلألئ في معصم عروس هيفاء.

سألته عن سعر الكتاب. فأخبرني بثمنه. وكالعادة، لا بد لي من محاولة ما للحصول على الكتاب بسعر أقل ولو بربع دينار. المهم الا يغلبني وغلب الرجال ليس هينا. فقال لي: "اقرأ الكتاب، وحالما تنتهي منه أعده لي، واستبدله بأي كتاب آخر ترغب بقراءته مقابل دينار واحد!".

-: ماذا؟ بدينار واحد؟ سألته بتوكيد لفظي ومعنوي لما طفق به لسانه غير مصدق بما سمعته.

-: نعم بدينار واحد. أجابني والابتسامة تنبثق من وجهه السمح.

اتسعت بآبئ عيوني فاغرا فمي رافعا حاجبي منذهلا مندهشا من روعة هدا العرض المغري الذي لم يسبق لي أن رأيت أفضل منه طوال حياتي.

قال لي: أريدك أن تقرأ!

في الحال أعطيته ثمن الكتاب واشتريته بدون أدنى تردد والسعادة وأي سعادة تغمرني تفيض
في كياني وكأنني فزت بجائزة نوبل للآداب!

هذا المقال ليس إعلانا تجاريا للكشك. هذا المقال ترويج لأعظم خطوة ينبغي بكل واحد منا ان يتخذها يوما ما. هذه الخطوة أهم من أول خطوة خطاها كل واحد منا على قدميه حينما حاولنا المشي. والخطوة عينها هذه أعظم من أول خطوة خطاها الإنسان في الفضاء على سطح القمر.

والخطوة هذه هي: القراءة. ولا بد لنا من القراءة. لكن لحظة، لا بد لنا من القراءة ليس تقليدا لهذا الشعب أو ذاك، ليس غيرة من هذا الإنسان أو ذاك، إنما لأننا نريد أن نقرأ.

والإرادة في القراءة يجب ورغما عن أنف كل واحد منا أن نجعلها في أطفالنا وهم أجنة في أرحام أمهاتهم غريزية. رب قائل منكم أعزاءي القراء سيقول عني: إنه يهذي! وربما واحد منكم يتساءل بتهكم وسخرية: وكيف تريدنا أن نجعلها غريزية؟

نجعلها غريزية بأن تشجع الحكومة كل امرأة نشمية حامل على القراءة. وذلك بأن تعطي الحكومة لكل امرأة حامل قائمة من الكتب لتقرأها خلال فترة الحمل. والمرأة الحامل التي تقرأ تفوز بجوائز مالية قيمة تحددها الحكومة مسبقا وعلى حساب ضريبة الدخل. ألم يقل الرئيس بأن كل قرش سيدفعه المواطن كضريبة دخل سوف يعود إليه بخدمات عامة راقية؟ وهذه أرقى خدمة تقدمها الحكومة لنفسها وللشعب.

تقول إحدى الدراسات العلمية بأن الأم الحامل إذا ما استمعت لموسيقى موتسارت يوميا فإن ذلك ينمي في جنينها موهبة الموسيقى ويساعد على زيادة ذكائه! ولا أعتقد أن الفكرة في الاستماع لموسيقى موتسارت تحديدا إنما في الإصغاء للموسيقى بشكل عام. ولعلني لا أخطئ القول إذا ما قلت بانه إذا ما قرأت المرأة الحامل يوميا فإنها ستزرع في جنينها غريزة القراءة وتزيد من ذكائه أضعافا! هل من دراسة علمية تنقض قولي؟ هاتوها!

المهم أن نقرأ. يجب أن نريد أن نقرأ.

ولماذا يجب أن نريد أن نقرأ؟ لأننا لا بد لنا من أن نمشي على إثنين بدلا من أن نظل نحبو على أربع. وإذا ظلينا نحبو تأخرنا عن كل شيء، أو أن كل شيء سبقنا بآلاف الأميال.

ولماذا من المهم أن نقرأ؟ لأننا لابد لنا من خطوة أولى في الفضاء: فضاء الخيال الفكري. فنحن نحبو على أرض المعرفة بدون القراءة، وبالقراءة نخطو الخطوة الأولى في فضاء الخيال الفكري. وآينشتاين قال: الخيال أهم من المعرفة. والخيال هنا ليس ظلك أو ظلي على أديم الأرض، ولا التخيلات الحالمة بقصر منيف إنما هو التحليق بالعقل في السماء حتى إذا ما نظرت للأسفل اكتشفت ما لم يخطر على بالك يوما ما! هذا الشعور أشعر به حينما اقرأ كتابا ما وليس أي كتاب. صدقني.

ولعلني لا أبتعد كثيرا عن واقع مرير نعيشه كشعب وهو أننا شعب متعلم لكننا لسنا شعبا مثقفا. وعماد الثقافة: القراءة. وما نحن بقارئين للأسف الشديد.

وأرجو ألا يحدثني أحدكم عن تحميل الكتب مجانا من الشبكة العنكبوتية بدلا من اقتنائها. تلكم ليست كتبا! وهذه ليست قراءة! والمثل يقول: بيت بلا مكتبة كجسد بلا روح.

فإذا كانت السياقة فنا وذوقا وأخلاقا؛ فكيف لنا أن نصف القراءة؟ لعلني لا اغالي إذا ما وصفتها بأنها أم الفنون وقمة الذوق الرفيع ورأس هرم الأخلاق. والقراءة لها “إتيكيت” خاص بها يعتمد على المكان والزمان اللذين تختارهما لممارسة هذا الطقس المقدس.

لنقرر أولا أن نجعل القراءة غريزية في أطفالنا وهم أجنة في بطون أمهاتهم ومن ثم نتحدث عن "إتيكيت" القراءة!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :