شخصية نتانياهو الجدلية تحتاج للدراسة على المستويين الاجتماعي والنفسي، فالرجل حقق ما لم يحققه غيره من رؤساء حكومات إسرائيل، خلال فترة حكمه والممتدة من عام 2009 إلى عام 2017، كما نجح في كسب كافة معاركه السياسية مع خصومه، ولكن الأهم في ما حققه هو نجاحه في منح إسرائيل صفة دولة عنصرية فاشية لا مثيل لها في العصر الحديث وبدرجة أكثر بكثير مما صنعه بن غوريون واشكول وغولدا مائير وحتى بيغن.
والسؤال هل هي عبقرية أم ماذا؟
وهل الرجل قوي لهذه الدرجة وما سر قوته؟
أسئلة كثيرة تطرحها الحالة الخاصة بنتانياهو والإجابة عليها قد يحتاج إلى بحث كامل، وهو أمر متعذر في معالجته في هذا المقال، ولكن ومن باب محاولة الإجابة على السؤال الأبرز في المقال والمتعلق بشخصية نتانياهو فسوف أستعين بالدراسة التي قاما بها كل من "الصحافي حانوخ داوم والخبير النفسي الطبي أريئيل هارتمان" والتي نشرت في كتاب تحت عنوان "نفس يهودية" "ومن أبرز ما جاء فيها أن نتانياهو هو شخصية "شكاكة"، ودائمة القلق والخوف، ووصفه الكاتبان بأنه مثل (الغزالة التي ترى مصابيح سيارة تُبهر عينيها ليلاً فتظنها أسداً يستعد لغرس أنيابه في جسدها).
ويتحدث "حانوخ دوام" في تحليله لشخصية نتنياهو عن دور شقيقه يوني نتنياهو الذي قتل في عملية عينتيبي في أوغندا قبل أكثر من 40 سنة، كما يتحدث عن دور والد نتانياهو صاحب الشخصية الصارمة والمحبطة التي لم تلق التقدير المطلوب في الأوساط الأكاديمية، ويخلص "دوام" إلى نتيجة مهمة للغاية ألا وهي: "كل من عرف نتانياهو يعرف أن رغبته بأن يكون ويبقى رئيس وزراء حاجة وجودية بالنسبة له وهي نتيجة عجزه هذا وكأنه لا خيار آخر له" .
إنه استنتاج قريب جداً للواقع، فنتانياهو يعلم أنه بدون السلطة سيكون شخصية على الهامش لا تقدير له وهنا يستحضر على الدوام شخصية والده، أما حالة النكران المزروعة بداخله تجاه الحقوق الفلسطينية والخوف من الاعتراف بها فهي ناتجة من خوفه الدائم من "الفلسطيني" الذي قتل شقيقه في عملية عينتيبي، ففقدانه لأخيه في عملية عسكرية شكل لديه عقدتان الأولى: هي عقدة الانتقام المقرون بالخوف وهو ما يفسر أحقاده اللا محدودة على الشعب الفلسطيني وتجاه حقوقه، أما العقدة الثانية فهي العنف المقرون بالعمل العسكري، فنتانياهو فشل في أن يكون عسكرياً برتبة مرموقة مثل شارون أو رابين أو إيهود باراك وهؤلاء جمعوا الخبرة العسكرية والتفوق فيها مع المنصب السياسي الأرفع في إسرائيل، ولذلك نراه عندما يقرر فعلاً له طابعه العسكري يكون أكثر عنفاً من العسكريين أنفسهم، ويدرك في الوقت ذاته أن منصبه كرئيس للوزراء هو من يوفر له ميزة اتخاذ القرار وبدون هذا المنصب يصبح خارج دائرة صنع القرار وعلى الهامش ( عقدة والده).
أما الشخصية الثالثة التي أثرت في نتانياهو وسلوكه فهي زوجته سارة ذات الشخصية القوية التي لا تسمح لنفسها بالغياب عن المشهد، فهي دائمة الحضور إلى جانبه وفي كل مكان وكأنها (رئيس وزراء مكرر) ولا أقول رئيس وزراء الظل، فهي تعشق الأضواء وتبحث عنها والانطباع العام لدى الإسرائيليين عنها أنها امرأة جشعة ومغرورة وقاسية بتعاملها مع الآخر كما ورد في الكتاب، وهو ما يجعل نتانياهو واقعاً تحث تأثير امرأة لا تُقدر ولا تحترم إلا من هم تحت الضوء ويتمتعون بالسلطة، وهي بهذه الحالة تدفع نتانياهو وبقوة نحو البقاء في السلطة والبحث الدائم عن كيفية المحافظة عليها.
لعب كل من القلق والخوف دوراً مهماً في نجاح نتانياهو وفي بقائه في السلطة طوال هذه الفترة، فالسلطة في نظره هي حياته وبدونها يفقد أهميته في هذه الحياة وخاصة في نظر زوجته "الجشعة" سارة نتانياهو التي تحب سلطته أكثر منه.
24: